لا اختلاف أن لدين الاسلام شعائر ظاهرة، تنبئ عنه وتدل على اعتناق ذلك المجتمع او الدولة او الامة لهذا الدين. بصرف النظر عن الحكم الفقهي المحض لتلك الشعيرة، وعليه فمتى كانت هذه الشعيرة قائمة ظاهرة وجب العمل على بقائها كذلك وإن كان الناس مقصّرين فيها وجب حثّهم على بلوغ الكمال فيها، ومتى كانوا مضيّعين لها وجب إحياء تلك الشعيرة فيهم. وآيات القرآن واحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تتظافر على اثبات هذا الامر وعليه فتوى الفقهاء وعمل المسلمين. فشعيرة الاضحية مثلاً لم يقل بوجوبها كثير من العلماء، لكن لو قدّر ان مجتمعاً مسلماً في مدينة او قرية أخذ جميع اهلها بعدم وجوب الاضاحي ولم يضح منهم في عام من اعوامهم احد، هل يمكن ان يصف الرائي لهذا المجتمع بانه مجتمع مسلم، وهل يأثم ذو سلطان لو قاتلهم دون ان يحكم بكفرهم اذ لا تلازم بين الامرين غالباً. هذا توطئة للحديث عما احدثه نشر بحث علمي محض لاخينا فضيلة الشيخ احمد الغامدي وفقه الله وعفا عنه والذي رأى فيه وفق ما نشر ان صلاة الجماعة غير واجبة، وهي مسألة فقهية قديمة المبحث لكنها كانت وما تزال تبحث في اروقة العلم وحلق العلماء، حتى أتى فضيلة الشيخ الغامدي فأخرجها من طيات الكتب إلى سود الصحائف، وغفل عفا الله عنه عن ان القضية في حقيقتها ليست في اثبات اي الاراء الفقهية اقرب للصحة وأحق بالنصرة. بل هي شعيرة ظاهرة فرّط كثير من الناس فيها وتعامى عنها وحسبك ما نشاهده في ملاعب الكرة من عكوف الاف الجماهير على مقاعدهم بالساعات ويرفع الاذان بعد الاذان ولا يقوم الا قليل على خوف كذلك من مقاعدهم ان تضيع ومن اماكنهم أن يجلس عليها. هذا وقد استقر في الاذهان الفتوى بأن صلاة الجماعة واجبة فكيف لو قيل لهم :على رسلكم فالأمر واسع وصلاة الجماعة في وجوبها نظر وانا مثّلت بجماهير الكرة وانا اعلم انهم افضل فئات المجتمع المقصرة حالا وغيرهم من الفئات هم في حال مرير وعالم مظلم –نسأل الله العافية والسلامة-. أخي الشيخ أحمد: ليس الناس اليوم في حاجة لمعرفة حكم فقهي فيه اختلاف بين العلماء، إنما هم في حاجة إلى أن تعظّم شعائر الله في قلوبهم، ولئن يجهل الناس خلافاً معروفا عند العلماء خير لهم من أن ينزع إجلال شعائر الله من قلوبهم، إن في إغلاق المحال التجارية وتوقّف الدوائر الحكومية أثناء وقت الصلاة من إظهار شعائر الله ما لا يخفى وهذا قطعا موصل إلى تعظيم الله سبحانه ومعرفة قدره وإجلال أمره ونهيه. ولو قلّبت بصرك أيها الموفّق إلى ما حولنا من المدائن والقرى ورأيت كيف يختلط صوت المؤذن بصوت المغنى، وقرب باب المسجد من باب الخمارات وصوت الإمام وهو يقرأ القرآن مع صوت بائع الملذات لهالك الأمر واستعلتك أحزان. وكل ذلك لم يقع في ساعة من ليل أو نهار، بل وقع بعد نزع تعظيم شعائر الله من قلوب المسلمين وتلك هي الخطيئة الحقة والإثم المبين. فالمسألة أكبر بكثير من بحث فقهي تجمع فيه الآراء ثم يختار جامعه أحد هذه الآراء قائلا: (هذا رأيي) وما أردت إلا الصلاح. أنا لا اتهمك في نيتك بل لا أظن بك إلا الخير لكن أعتب عليك في فهمك وفقهك، والإعلام اليوم مدحضة مزلة، ثبّت الله قدمي وقدمك على الصراط إن ربي لسميع الدعاء.