* الخبر الذي نشرته «المدينة» يوم قبل أمس الاثنين في صفحتها الأخيرة عن إمهال مكتب العمل في جدة لمنشأة طبية شهراً لدفع مرتبات 244 طبيباً أثار في ذهني تساؤلات عدة، سواءً فيما يتعلق بالمنشأة الطبية ذاتها، أو مكتب العمل والعمال، أو غيره من الجهات المسؤولة عن هكذا حالة. * تساؤلاتي ومعها استغراب مزعج: أيعقل لا مبالاة منشأة طبية بالالتزام بحقوق عامليها سعوديين أو غير سعوديين؟! وحتى لا يتفذلك البعض، ويظن أني أعيش في غير عالم مجتمعي السعودي أقول: إن استغرابي هو في المدى الذي وصلت إليه ذهنية البعض من حرص مادي دون أية اعتبارات أخرى إنسانية أو وطنية، وهم يديرون منشأة معنية بصحة الناس. فأي إخلال في توفير الراحة النفسية والحقوق الخاصة بالعاملين من أطباء وفنيين وممرضين سينعكس بصورة سلبية على تعاملهم مع المرضى ونزلاء المنشأة. * العجيب أن المنشأة الطبية صامّة آذانها، وقافلة عقلها عن أي شيء إلَّا تنفيذ عنادها وإصرارها على عدم إعطاء العاملين المتضررين حقوقهم، حتى بوجود أوامر من مكتب العمل، فبحسب الخبر يقول وكيل الموظفين: «إن المهلة ستمر دون فائدة! فقد سبق وأن أُلزم صاحب المنشأة بمواعيد كثيرة من قِبل مكتب العمل ولكن دون فائدة، رغم وجود قوانين رادعة قانونياً». * الذي أعرفه، وإن كنت مخطئاً آمل تصحيحي، أننا نعيش في وطن له قوانينه وأنظمته وأجهزته التشريعية والقضائية والتنفيذية التي توفر الأمان والحماية لكل من يعيش فوق تربته، سواء من أبنائه، أو من مقيميه، أو من زائريه، وأن هكذا واقع يعني بكل بساطة أنه لا يوجد إنسان أو منشأة فوق القانون، أو أن من حق البعض التمرّد على الأنظمة والقوانين، أو التلاعب بها كما يحلو له تحقيقاً لمصالحه الخاصة وسلباً لحقوق الآخرين. * حرية النصب والاحتيال والتلاعب على القوانين والأنظمة مكانها الغاب، وفضاءاتها المجتمعات الفوضوية.. أما في وطن كوطننا، ومنذ أن وحد أطرافه وأجزاءه الملك عبدالعزيز يرحمه الله فالقانون والنظام يسريان على الجميع. وخير دليل كارثة سيول الأربعاء في جدة، ونصوص ومضامين الأوامر الملكية، ومقولات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله يحفظه الله التي أكدت بكل وضوح أن الدولة أدامها الله معنية بحفظ حقوق المواطنين والمقيمين، وأنه لا يوجد إنسان فوق القانون، وأن أداء ذلك «مسؤولية وأمانة».! * لا أود أن أدخل في تعابير مدى إضرار ما تقوم به المنشأة الطبية من إساءة لصورة المملكة دولة وشعباً في الخارج، خاصة وأن الموظفين المتضررين هم من جنسيات عربية شقيقة، ودول آسيوية لنا معها علاقات جيدة، فهذه لغة يعرفها الجميع، ويدرك حقيقتها الكل.. ولكن ما أود التأكيد عليه أن التهاون في معالجة هكذا قضية يدفع ويحفز كل المخادعين والمحتالين إلى انتهاز الفرصة لسلب حقوق الآخرين، والتعدي السافر على الأنظمة والقوانين. * ولهذا استغرب بحق تهاون وإهمال مكتب العمل في جدة، وتركه الحرية لصاحب المنشأة للمماطلة والتسويف، وهو أي مكتب العمل يعرف حقيقة الأمر وتفاصيله، ووجود الغبن وسلب حقوق العاملين والمماطلة والتسويف من صاحب المنشأة الطبية، أي بلغة أخرى القضية واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج إلى بحث وتحقيق وتمحيص، بل كل ما تحتاجه هو حزم وصرامة في تطبيق النظام، وإجبار المتجاوز على الالتزام بالعقود، ودفع حقوق العاملين حتى وإن استلزم الأمر استخدام القوة الجبرية.. فالحق أحق أن يُتّبع، وهذا وطن نشأ على تطبيق النظام، وسيبقى إن شاء الله مثالاً للأمان والاستقرار رغم أنف المحتالين والنصابين والفاسدين..!