هذه المرة أنت أمام جرّاح، اختار ساحة تصحيح الجنس ليكون فارسها بالمملكة والعالم العربي، كنتُ أتوقّع أن يمتعني بطرائف قصص تصحيح الجنس، فما زال العالم العربي يتعامل مع القضية بحساسية، والبعض يعتبر التصحيح عارًا، خاصة إذا كان ولدًا يتم تصحيح جنسه إلى بنت، قرأتُ عن الموضوع قبل أن أطرق بابه، كنّا على موعد، وفوجئت أني قُبيل الموعد بربع ساعة أمام بيته ذي الحديقة الواسعة، كنتُ حريصًا على ألاَّ أتأخّر عنه ثانية، وهو الرجل المعروف بدقته، ويحرص دائمًا على ربط نجاحه بهذه النقطة، سألتُ رفيقي المصوّر الذي شاركني وأيّدني في اختيار الدكتور ياسر جمال نموذجًا للنجاح: هل لديك معرفة بردود فعل الأهل تجاه تصحيح الجنس؟ هل تعرف أشخاصًا تم تصحيحهم بالفعل، وسمعت من ذويهم؟ لم يمهلنا الدكتور ياسر الذي فتح الباب فورًا، كأنه سمعنا، أو أحس بقدومنا، أو توقّع أننا سنأتي في الموعد.. كما يفعل هو دائمًا. مرتبط بالحرم: يقول الدكتور ياسر إنه مرتبط بالمكان الذي وُلد فيه، وهو البيت الحرام، حيث وُلد في بيت من تلك البيوت التي كانت محيطة بالمسعى بسرحة الفل، البيوت كانت داخل المسعى في الماضي، وأنا أشعر بسعادة وبارتباط شديد جدًّا بالمسجد الحرام حتّى هذه اللحظة، وأعتقد أن كثيرًا من البركات من هذه الروحانية، وهناك ارتباط وجداني شديد جدًّا، ورغم أن المسلمين مرتبطون وجدانيًّا بهذا المكان، فإن ارتباطي به هو ارتباط خاص، ولي مواقف كثيرة بالمسجد الحرام، وعندما كنا طلابًَا كنا نأتي لنذاكر في الحرم ونلجأ إلى الله. ويكشف الدكتور ياسر في روحانية شفافة عن أن مولده كان فجر عيد الأضحى 1373ه، 10 من أغسطس 1954م، وأنه سُمّي بياسر لأن والده سمع رجلاً تونسيًّا في الحج ينادي ياسر فسمّاني بهذا الاسم الذي يعني عند التوانسة أنه متوفر أو كثير. الأب بطل رئيس في قصة نجاح الدكتور ياسر، ففي سنة ولادته بعدما وُلد جاءت توسعة المسعى، فانتقلت الأسرة إلى بيت بحي المدّعى القريب من الحرم، ثم بعدها بعام انتقلت إلى حي الزاهر. كان ينزل مع الوالد وعمره خمس سنوات يصلي الفجر بالحرم، ويأخذ في طريقه بسيارته الأوبل الصغيرة كل مَن يصادفه لتوصيله، وهذا أقام جسرًا من المودة بين والده وكل من كانوا يرافقونه في الحرم، وظلت هذه الصورة سنين طويلة. في حي الزاهر البيت الذي مازال قائمًا وشاهدًا على سنوات طفولته، بدأت ترتسم ملامح والده في ذاكرته، كان الثالث في الأولاد لأسرة يسودها الوئام، فالوالد يشعرك بأنك أحب واحد إليه، ليس بالنصح المباشر، وإنما بقدوته وبالإيحاء، إذا قال أوعدك، فهذا يعني أنه سينفذ وعده. ويحكي الدكتور ياسر أنه في مرة قال والده له إنه سيشتري له كيكًا من مخابز بدر ونسي، فلمّا طلب منه قال أوعدك، ولما وعده نفّذ وعده، يقول: مازلت أتذكّر هذا الموقف، وتلك الكلمة التي صرت أقولها، وصارت تعني عندي أن الوعد لابد أن يُنفّذ، ولا أستطيع أن أخلف وعدي طالما قلتها. ويمضي الحديث عن الوالد عذبًا: أبي كان صديقًا لرئيس تحرير مجلة «الندوة»، كان لدينا مطابع الثقافة، ومكتبة الثقافة، كان رئيس المجلس البلدي، ورئيس الغرفة التجارية في مكة، ورئيس مؤسسة الحجاج العرب، كان ميسور الحال، الوالد عنده رسالة واضحة وضوح الشمس، وهي التعليم، ونشر العلم، لم يكن يوقف أحدًا عن العلم، كان لديه صبي يمني اسمه (قائد) كان يدرس بالمدرسة الليلية، وعندما ننجح أنا وهو يمنح كلاً منّا هدية، العمّال في المطبعة، كل مَن كان يذهب إلى المدرسة الليلية يعفيه من الدوام بعد المغرب. لم يوجد أحد في العائلة من أولاده وأولاد أخواته إلاّ يشجّعه على التعليم، كان أنشأ مكتبة الثقافة، وكان شعارها نشر الثقافة والعلم، وهي إلى اليوم تحمل الشعار ذاته، في وصيته لنا كتب يحافظ على مكتبة الثقافة حتّى وإن تخلّى الشركاء، وهذا ما حدث، واستمرت المكتبة بناءً على وصيته. الحياة الأسرية عنده مقدسة، يجب أن نكون جميعًا على المائدة في الوجبات الثلاث، حياة بسيطة جدًا، ولذلك منذ أن مات -رحمه الله- يوم الجمعة، وإلى الآن تتجمّع العائلة، وهي العادة التي حرص عليها طوال حياته، وقد كان الجميع يتجمّعون في الوجبات الثلاث حتّى ولو كان أحدهم غاضبًا. في مرة واحدة ضربني أبي؛ لأني أفزعتُ أختي، وقد كان غضبه من منطلق حرصه على أن يكون بيننا ترابط أسري قوي، وهذا ما كان، أولادنا تعلّموا منا هذا أيضًا. الوالدة كانت حنونة جدًا، ولكنها كانت الأكثر حزمًا معنا، تحزم الأمر في البيت مع الأولاد، والوالد تكفيك نظرة منه، كان يقول: مَن يدخل بيوت الناس، ولا يتطلّع فيها يمينًا وشمالاً تنفتح له البيوت. الأول على منطقة مكةالمكرمة: ويكشف الدكتور ياسر عن الخيوط التي نسجت نجاحه، يقول: في المرحلة الابتدائية لم أكن متفوّقًا إلى أن وصلت إلى الصف الخامس، لم تكن نتيجتي مرضية لأبي في السنة الرابعة، وأظهر غضبه لهذه النتيجة، وبعدها لم أعرف سوى أن أكون في المقدمة، وفي المرحلة المتوسطة كان ترتيبي الأول على منطقة مكةالمكرمة. يقول: غضب أبي مني وهو يتوقّع منى درجات أفضل؛ باعتباري أنتمي لأسرة علم، هذه النظرة لي باعتباري الأفضل، دفعتني لأن أصبح الأفضل، وأبحث عن التميّز. ويحكي الدكتور ياسر عن الأجواء القديمة لأسرته فيقول: منذ أكثر من ثلاثمئة سنة كان جدّي عبدالرحمن جمال رئيس القضاة في جدة، وورث والدي وعمّي أحمد جمال هذا الاهتمام بالعلم، صعب أن تولد في هذا المحيط ولا تملك الهمّة أن تكون متعلّمًا. ويقارن الدكتور ياسر بين صورته قبل السنة الخامسة الابتدائية، حيث لم يكن يفعل سوى اللعب في الحارة، وبين ما اختاره لنفسه فيما بعد بنصائح والده، ومن الأصدقاء الذين احتفظ بهم من المرحلة الابتدائية عصام الصبان المرحلة الابتدائية، ومحمد المحمادي، عتيق الحربي -رحمه الله-. وفي المرحلة المتوسطة بدأ فيها التنافس العلمي، يقول: كنا نتنافس أنا والدكتور محمد بياري الطبيب، والدكتور أحمد قيثارة، وكانت الفروق بيننا قليلة جدًّا لا تتعدّى النصف درجة أو العلامة، وكان الأساتذة، منهم محمد صالح ألطف أستاذ الفقه، وإبراهيم الزبن، وبكر فلاتة -رحمه الله- وكان أستاذًا بجامعة أم القرى، وعوّدنا أن يبدأ باسم الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، واتّقوا الله، ويعلّمكم الله، ومازلت أردد: واتّقوا الله ويعلّمكم الله، والأستاذ سعيد عبد الغني كان وكيل المدرسة، والأستاذ زاهد القدسي -رحمة الله عليه- كان يذكر قصة التنافس هذه بيننا، كان يحبني ويعتز بي كطالب من طلابه. انتقالي إلى مدرسة العزيزية العريقة ذات المكتبة الضخمة كانت خطوة موفقة ومديرها محمد الشبل كان يفتح لنا المستودعات ويدعمنا كطلاب. ويتناول الدكتور ياسر كتاب «الوالد ذكريات ورحلات» مشيرًا إلى أن وصاياه تتلخّص في التمسّك بالدِّين والمبادئ السامية. يقول: كان يوصي أخي طارق بالحفاظ على صلاته، كان يقول لأخي طارق وزوجته، وحسن وزوجته: متى تصبحون سفراء؟ أنتم الآن سفراء بلدكم في رحلتكم هذه، ومرآة قومكم، وصورة الناس على عشيرتكم في بلدان أخرى، للسفارة واجبات ومسؤوليات، أرجو أن تكون نصب أعينكم. مرتبط بالجراحة: ويصمت الدكتور ياسر، ثم ينطلق مفسّرًا ارتباطه بالجراحة: جئتُ كلية طب القصر العيني بالقاهرة، وكنتُ أحب الجراحة، ورجعت إلى المملكة وقصة الجراحة مستقرة في نفسي -والحمد لله- قبلت في الجراحة، فمن طبيعتي أن أحب العمل، وأرى النتيجة بعده مباشرة، كل ميسّر لما خُلق له، من طبعي الحسم، والجراحة قضية حاسمة، مريض السكر، أو القلب يظل مع الطبيب العمر كله، ليس انتقاصًا من أحد، وإنّما كل ميسّر لما خُلق له. ومن القاهرة يعود الجرّاح الشهير إلى جدة قائلاً: دخلتُ قسم الجراحة في جامعة الملك عبدالعزيز، وكان بالقسم ثلاثة عشر استشاريًّا استفدتُ من كل واحد فيهم، منهم الأستاذ الدكتور خليل سلمان، البروفيسور ربيع عبدالحليم، الدكتور طلال بخش، الدكتور حمد مختار، الدكتور فرج الله وزنة، وهناك واحد من الأطباء أثّر فيَّ تأثيرًا كبيرًا، وتبنّاني في الجراحة هو الدكتور حسن نصر من أصل سوداني، وقد قرر نصر أن يتبنّاني، وعلّمني كل صغيرة وكبيرة، وعلّمني النواحي النظرية، كيف أقول محاضرة، وكيف أكتب بحثًا، وكيف أمتحن الطلاب، ومحاسني كلهم له فضل، وبدأت أدرس وأشتغل جراحة عامة، وجراحة أطفال، وجراحة تجميل، هذه التخصصات الثلاثة اشتغلتها مع الكل، وظللتُ أشتغل بها كأخصائي، وكأخصائي أول، وثانٍ، واستشاري، كنتُ أحضر الدورات ما بين بريطانيا وأيرلندا، وأكثر تدريبي كان بجامعة الملك عبدالعزيز مع هؤلاء الأساتذة، الدكتور عزيز عبدالعليم كان جراحة قلب، وهو الذي درّبني في مجال جراحة الأطفال. أول جراحة: القاهرة في ذهن الدكتور ياسر ارتبطت بأول جراحة أجراها، وكانت بمستشفى القصر العيني. يقول: هناك دكتور تربطني به إلى الآن صداقة قوية جدًّا؛ لأنه اشتغل بالمملكة مدة 15 سنة، وأخذني من يدي، وأوصلني إلى غرفة العمليات، وقال لهم هذا الدكتور الذي سوف يجري العملية اليوم، وكانت عملية بواسير، كنتُ وقتها (طبيب امتياز)، لكن أول عملية قام بها منفردًا وهو كبير كانت عملية مرارة، وشجّعه عليها الدكتور جمجوم -رحمه الله-، يقول: فاجأني: تُدخل تسوّي عملية مرارة؟ لم أكن قد أمضيتُ أكثر من ثلاثة شهور، ودخل معي -يده في يدي- بكل العملية، لكن كان له تأثير خاص. ويتحدث عن المجال الذي لمع فيه، وقدم جراحات غير مسبوقة: المجال الذي أعمل به، وحققت نجاحًا فيه هو مجال تصحيح الجنس، ولا نريد كلمة التغيير، فالتغيير لا يجوز، إنما التصحيح هو الجائز، بمعنى أن شخصًا فيه اشتباه في أجهزته التناسلية، ونريد تصحيح جنسه الحقيقي، قاربت الأربعمئة عملية في تصحيح الجنس على مدى سبعة وعشرين عامًا، الآن هناك مشاركات على المستوى الدولي، من خبرتي أنا عندي أنواع وأشكال مختلفة في تصحيح الجنس من الأنوثة للذكورة، ومن الذكورة للأنوثة، ومن أهم القصص شخص جاء يحج كبنت عمرها 19 سنة، وقابلته، وتأكدت أنه ذكر، وصحّحتُ جنسه إلى ذكر، ثم ذهب إلى بلده اليمن، وتزوج بنت خاله، وأنجب بنتًا احتاجت إلى عملية تصحيح جنس أيضًا وقمتُ بعملها. ويرجع الجراح الشهير إلى موضوع الختان الذي كان يجريه تطبيقًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الموضوع الذي قاده إلى تصحيح الجنس، فمارس العمل على مدى 31 سنة، يقول: بدأت تصحيح الجنس من الختان، في البداية فكّرتُ في الختان كسنّة أؤجر فيه، وعملي أعطاني تفصيل المنطقة التشريحية للعضو التناسلي، وبدأت ألاحظ الفروق المختلفة بين فرد وآخر، هناك 11 فرقًا بين طفل وطفل، هذا جعلني أهتم بالمتابعة والتصحيح، وبدأ يتأصل في ذهني، وبطبيعة التخصص في جراحة الأطفال فقد كان عليَّ أن أتعرّض للخلل في الجهاز التناسلي، وقمت بتصحيح 93 بالمئة من الأطفال الذين تابعتهم، وعندهم خلل في السنة الأولى، و7 بالمائة جاءوا متأخّرين. وينصح الدكتور بأن التبكير في تصحيح الجنس مفيد للمريض، فمَن يتم التصحيح له في سن مبكرة، لا أحد يعرف قصته، ونحن كأطباء ننبّه الأسرة إلى هذا، الذين كبروا وصحّحوا جنسهم يتداول الناس قصتهم، اليمني الذي قمت بتصحيح جنسه كان هناك خوف أن يقتلوه؛ لأنه عاش مع حريمهم، وبناتهم قبل التصحيح! ويتوقف الدكتور ياسر الذي يربطه بالكعبة رباط خاص، ساردًا عددًا من المواقف التي تكشف هذه العلاقة الخاصة، يقول: وأنا في مصر في السنة الثانية للطب بين الامتحان الشفوي والتحريري جئتُ من مصر إلى الكعبة، ووقفتُ بها، وطفتُ، وتعلّقتُ بأستارها، ودعوتُ الله، ورفعتُ رأسي، فرأيت بابًا عليه عبارة (نصر من الله وفتح قريب)، أنت لا تتخيّل القوة التي رجعتُ بها إلى جامعة القاهرة، فنجحت بامتياز في جميع المواد. استسمحت وجهك وسأدخلك الكعبة أنا أعشق الكعبة، دخلتُ أربع عشرة مرة، وأكثر المرات التي دخلتُ فيها وقت التجديد للكعبة، وفي مرة دخلتُ فلم أجد الكعبة أمامي، خشب أبيض فقط يحيط بالكعبة، وأحسستُ بقبضة، وبدأت أطوف، وفي الشوط الثاني جاءني رجل لا أعرفه، وأمسك بذراعي وقال لي: أنا صالح الفضل، أنا استسمحتُ وجهك، وسأدخلك الكعبة، مواقف كثيرة، جابولي كارت دخول الكعبة، اتّصل بي خص ليلاً وقال: أنا تذكرتك، وقلت أنت أو أخوك الدكتور حسن تذهب إلى الكعبة، أنا ما أقدر أروح الكعبة، وأخذت الكارت، وفي الصباح صلّيتً الصبح، وحاولت أدخل، قال لي الضابط: لا تدخل، يا سيدي أنا فلان، تليفوني كنتُ أعطيته لواحد من أقربائي وراح، لا معي تليفون، ولا أي شيء، ثم فجأة دخلت وفود دبلوماسية، ودخلت بينهم، وفتحت الطريق، وكنت أول واحد يدخل الكعبة. ويرصد الدكتور ياسر ملامحه، كأنه ينظر في المرآة: أنا ملتزم، ولا أغيب عن عملي، ومحبة الناس من الأشياء التي أحرص عليها، أحب نقل الفرح والأخبار الطيبة، أتمنّى أن أعرف نتيجة أحد ناجح قبله حتّى أبشّره بالنجاح، أنا أحب الكل، ولا أضمر شيئًا لأحد، وأستخدم العقل والدليل، وأتوسّع في الأنظمة، أعرف اللوائح، وأحب أن أكون على صواب، حتّى أن البعض يقول لي من طريقة نقاشي مفروض أن تكون محاميًا، وليس طبيبًا، لا أحب أن أتجاوز روح النظام. في الطريق إلى القاهرة: ويتناول الدكتور ياسر بدايات الحلم فيقول: حصلت على ممتاز في المرحلة الثانوية، كان في ذهني اعتزامي دخول الطب، كانت أمي تشفق عليّ من دخول الطب، خاصة بعدما شاهدت المجهود الذي يبذله أخي حسن، وأخي طارق في الطب، المذاكرة، والسفر، والغربة، حاولت أن تثنيني عن قراري، لكنها ظلّت تدافع عن ذلك القرار، وكانت تقول: قراره هو متأكد منه، وظهرت نتيجة التنسيق، وكنتُ واحدًا من أول خمسة سعوديين قُبلوا بالقاهرة. أنا محظوظ.. فقد سبقني إلى الطب أخوان، عندما نزلتُ مصر لم أشعر بالغربة، كان أخواي بالقاهرة متزوّجين وعندهما أطفال، وصلت مصر 6 اكتوبر 1972، وكان من المقرر أن الدراسة ستبدأ في اليوم التالي، عوّدنا أبي على القراءة، والسفر أعطاني ثقة بالنفس، أنا أحكي لأبنائي وأنا عمري 12 سنة، كنتُ أسافر إلى لبنان قبل العائلة، وأستأجر البيوت لهم. كنّا نسافر سنويًّا إمّا للبنان، أو لسوريا، أو لمصر، أبي وأعمامي كانوا يحبّون تأمّل الطبيعة. أبي أرسل سيارة لأخوي اللذين كانا بجامعة عين شمس، وأنا كنتُ بجامعة القاهرة، ولمّا كانت مسافتي الأبعد عن السكن، فقد ترك لي أخواي السيارة لأذهب بها إلى الجامعة. كنتُ أحسّ أن أخوي في منزلة والدي عطفًا وحنانًا، كنتُ أحاول تنفيذ وصية والدي أن أكون سفيرًا للمملكة في مصر، قصة التعليم المختلط في الجامعة كانت صعبة عليّ، في البداية لم أكن أكلم البنات حتّى السعوديات في الجامعة، لكن هناك سعوديات عرفتهنّ فيما بعد منهن الدكتورة سعاد جابر، الدكتورة فوزية الطاسان، الدكتورة ابتسام التونسي، الدكتورة إلهام السليمان، هؤلاء دفعتي في الجامعة، ليس عن خجل، وإنّما إمعانًا في الجدّية، فأنا جريء جدًّا في الحديث. أنا مَدينٌ لمصر في تعليمي، هناك علماء بلا شك، قامت مظاهرات في الجامعة، ومن حب الطلبة فيَّ قاموا بنقل سيارتي من خارج إلى داخل الجامعة حتّى لا يصيبها شيء. وينتقل إلى موقف آخر يدل على حب المصريين قائلاً: كنّا في حرب 1973، كنا طالعين بسيارة أنا وأخي طارق، وباعتبار أن السيارة مكتوب عليها السعودية، فقد كان المصريون يصفقون لها على خلفية الموقف المشرّف للملك فيصل في الحرب، والذي تمثّل في قطع البترول عن الدول التي تساعد إسرائيل، وفي السنة التالية قبلت جامعة القاهرة 120 طالبًا سعوديًّا.