قالت صحيفة «الحياة» في عددها 17172 الصادر في 25/4/1431ه إن الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء دعت أعضاء الهيئة إلى اجتماع استثنائي يعقد في الرياض، لمناقشة «تجريم فتاوى التكفير»، الذي طرح فكرةً في مجلس الشورى لم يتوقع المناصرون لها أن تحظى بهذه الاستجابة السريعة من جانب أعلى مؤسسة دينية في البلاد، وكانت الفكرة التي طرحت على شكل مداخلة في المجلس طالبت بسن نظام يجرّم فتاوى التكفير، بوصفها تجاوزت مجرد آراء شخصية إلى أصوات سلبية مسّت الوجه المضيء للمملكة، ومكّنت أعداءها من التجني عليها أكثر، بذريعة فتاوى غير مسؤولة تصدر عن أشخاص ليست لهم صفة رسمية في بلد يضم مؤسسات فتوى معتبرة. وأكد المصدر الذي تحدث إلى «الحياة»، أن أعضاء الهيئة أبلغوا بالاجتماع بشكل طارئ، بعد أن طرح عضو في مجلس الشورى فكرة سنّ نظام يجرّم فتاوى التكفير يتولى المجلس صياغته، بالتعاون مع هيئة كبار العلماء. من جانبه، اعتبر عضو مجلس الشورى الدكتور حاتم العوني الشريف، «أنه إذا أردنا أن ننفي عن أنفسنا التهمة بالتكفير، بمعنى أننا لسنا ممن يكفّرون المسلمين الذين لم يخرجوا عن الإسلام، وأن نثبت أننا لا نكفّر إلا من يستحق التكفير شرعاً، فإنه لا يكفي أن ننفي عن أنفسنا هذه التهمة، ولا يكفي أن نقول إننا لا نكفر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره، لأن هذه الدعوى نفسها هي دعوى التكفيريين المعاصرين، وهي نفسها دعوى الخوارج قديماً، ولا يتمّ النفي الحقيقي حتى نجيب عن أسئلة محددة حول فئات بأعيانها بكل وضوح ومن دون أي حياد». إن هذه الحالة، حالة أن نجعل للتكفير دليلاً شرعياً من الكتاب والسنة، هو الباب الذي دخل منه التكفيريون من غير حصانة علمية وشرعية، فيجب أن ينظّم ويمأسس باب الاستدلال من الكتاب والسنة، وتوضع له الشروط والضوابط، لأن القرآن والسنة لا ينطقان بل ينطق بها التكفيريون، متى شاءوا على من شاءوا، حتى نالوا من الافراد والحكام والدول والمجتمعات، ويوقعون عن الله، بإخراج من لا يتوافق مع فهمهم وتأويلهم وتفسيرهم، اخراجه من الدين بجرة فتوى، مع مايترتب على ذلك فقهياً من توابع الاحكام، حتى التفريق بين المرء وزوجه، إن عبث الاستدلال من الكتاب والسنة، لإصدار أحكام شرعية أو فتاوى عرضية، تهمة على الإسلام بأنه مزيج من الاختيارات العشوائية لكل من حفظ آية أو حديثاً أو تخرج من كلية أو معهد ديني، وهو عبث بالنص المقدس (القرآن) وتنزيله مظنة التلاعب بأحكامه بحسب الجرأة ولو كانت للانتصار الشخصي أو الحنق الذاتي أو الانفعال الوقتي. إن احترام وتقديس وتطهير القرآن، ليس مادياً بالوضوء الحسي فقط، ولكن بالتطهر عن زلات التكفير المتسرعة، التي تصب في مصلحة الباحثين عن طعون في الدين، أو خلل في الشريعة، أو تناقض بين آيات الكتاب الحكيم، إن لجم الفتاوى التكفيرية، تنزيه للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وحماية لجانب الدين العظيم من الفوضى الاجتهادية. إن الخوض في التكفير بلا زمام ونظام مؤسسي، والجرأة على الفتوى في كل مسألة أو محل، هو مساس بمصداقية التشريع الحكيم، وتفقيد للوثوقية به عند المسلمين، حين يرى الناس أن كل طالب علم شرعي له الحق في الاجتهاد في الفتوى وتكفير الاعيان، ويمكنه إذا التبس عليه الأمر بعد ذلك أو عرف خطأه أن يتراجع، برغم انتشار ما قاله في زمن العولمة الإعلامية، وصعوبة رصد المؤثرات السلبية والنتائج المدمرة لتلك الفتوى أو التكفير العشوائي، فالتكفير هرطقة وزندقة، وإضلال للناس بغير علم، إذا جنحت في مسار التفرد الشخصي، والحكم على ظواهر القول، وعدم الاجماع من هيئة مختصة محكمة معتبرة مأذونة شرعاً وقانوناً، للتصدي لإنزال الاحكام الشرعية محلها في الواقع المتسق مع ضوابط القضايا المستجدة، فمتى يتوقف العبث بأدلة الشرع المطهر، بغير علم أو حصانة قانونية. إن تجريم فتاوى التكفير، أولى درجات الحماية وتحصين الدين من عبث العابثين المغالين، الذين يأتون فراداً أو اشتاتاً، ليجعلوا رحاب القرآن والسنة ساحة لتخبطهم وعطن فهمهم وضيق مداركهم، ونسفهم لأجمل مقاصد الإسلام تأليف القلوب والتثبت واليقين في العلم والعمل، فالتكفيريون يزرعون الفرقة والقول على الله بغير علم، إن هم تفردوا بفتاوى التكفير خارج اطار المؤسسات الرسمية.