«لا نستطيع فتح فرع لجامعتنا في المملكة العربية السعودية لأن مناخ الحرية الأكاديمية لديكم غير متوافر بالقدر الملائم !!» .. تلك كانت اجابة رئيس الجامعة الأمريكية في القاهرة عندما سئل في حوار صحفي مع احدى صحفنا الوطنية عما إذا كانت جامعة تنوي افتتاح فرع لها في المملكة، وقبلها كان معالي وزير التعليم العالي قد اعلن بأن الوزارة لم تتلق طلبات لفتح فروع لجامعات دولية في المملكة، ولم يتطرق معاليه إلى الأسباب التي حدت من رغبة تلك الجامعات في افتتاح فروع لها اسوة بالجامعات التي فعلت ذلك في قطر والامارات العربية المتحدة ومصر ولبنان وغيرها. يقول معالي الدكتور عبد الله العثمان، مدير جامعة الملك سعود، ان الحرية الأكاديمية متوافرة في الجامعات السعودية، ويستشهد على ذلك بما حققته بعض هذه الجامعات من انجازات على صعيد البحث العلمي وتسجيل براءات الاختراع وما حظيت به من ترتيب متقدم نسبياً في سجلات الجامعات العالمية.. ويرد عليه احد المتحاورين معه في برنامج تلفزيوني بثه تلفزيون أبو ظبي قائلاً ان الامكانيات المادية التي تتوافر لدى جامعة أو اخرى ينبغي ألا يخلط بينها وبين مناخ الحرية الأكاديمية. احد الكتاب البارزين في المملكة تقدم إلى جامعة وطنية ببحث يؤهله لنيل شهادة الدكتوراة، واجريت له المناقشة العلمية واجتازها بنجاح، ووافقت الجامعة على منحه الشهادة، ولكنها اشترطت عليه ان يحذف مقاطع من دراسته اشار فيها إلى آراء ومقتبسات لكتاب وفلاسفة عاشوا وماتوا ودفنوا قبل عدة قرون، وعندما امتنع الباحث عن ذلك حجبت عنه الشهادة فأصبح الدكتور الذي لم يستلم شهادته. وباحث آخر في جامعة وطنية أخرى قام بعدة ابحاث وخرج منها بآراء وتوجهات تختلف مع بعض الأفكار والرؤى التي تعتبرها الجامعة أساساً راسخاً من أسس تكوينها الفكري،... وكانت النتيجة ان الباحث قد حورب واتهم بالزندقة ومنع من المشاركة في أنشطة الجامعة وانتهى به الأمر إلى ان فصل من وظيفته بحجج إدارية روتينية مما دفع به إلى رفع قضيته إلى ديوان المظالم، واظنها مازالت تبحث هناك. وفي «حدوتة» زراعة القمح الشهيرة، جف حلق صديقنا الأخ الدكتور محمد القنيبط وهو يعبر عن اعتراضه على قصة الاكتفاء الذاتي التي تحولت إلى تصدير إلى روسيا وسويسرا وغيرهما لما صاحبها من استنزاف خطير للموارد المائية، ولا اظن ان الجامعة التي كان يدرس فيها الدكتور القنيبط قد تعاملت مع اعتراضاته بصدر رحب، ولعلها مازالت تشعر بالامتعاض من ملاحظاته التي يعبر عنها بين وقت وآخر. قد يقول قائل ان هذه الأمثلة ما هي الا حالات فردية تشكل الاستثناء الذي لا يؤثر على القاعدة وهي ان لدى جامعاتنا مساحة عريضة من الانفتاح على مختلف الآراء والأفكار وانها تتيح لطلبتها واساتذتها مناخاً صحياً من الحرية الأكاديمية تتفتح فيه ازهار الفكر والرؤى والبحث عن الحقيقة. وقد يقول آخر .. اننا مازلنا في بداية الطريق، وان نهضة التعليم العالي لا تستقيم الإ باشاعة جو من الحرية في نطاق الحرم الجامعي عامة وفي قاعات الدرس ومعامل العلوم والابحاث خاصة، بحيث يتم استيعاب كل الأفكار والتوجهات مهما كانت مختلفة، طالما ان الحوار يلتزم بالمنهجية العلمية وطالما انه ينحصر في نطاق الحرم الجامعي .. فماذا تقولون ؟