من بين نحو 32 عملاً مسرحيًّا مميّزًا اختارت الهيئة المصرية العامة للكتاب مسرحيتي “اللمس”، و“صاحية ونعسان” للناقدة وأستاذة المسرح السعودية الدكتورة ملحة عبدالله لتكون ضمن مطبوعات الهيئة، وهى من المرات القليلة جدًا التى تنشر فيها الهيئة اعمالها ضمن سلسة الأدب لمبدعين عرب ربما لأن المسرحيتين تمت كتابتهما بلهجة مصرية عامية، وجسدت الى حد كبير جانب من البيئة المصرية، حيث نجحت الكاتبة فى ذلك. فهى تعيش تلك البيئة بشكل حقيقى. فالكاتبة ابنة مدينة أبها بالمملكة بعدما تلقت تعليمها بالمدرسة الأولى للبنات بأبها، وحصلت على الثانوية العامة من مدرسة السنية بالقاهرة، ثم واصلت دراستها العليا بالقاهرة، فحصلت بكالوريوس النقد والدراما، والماجستير في النقد المسرحى، والدكتوراة. - وفى مسرحيتها “اللمس” حددت ملحة شخصيتها الرئيسية وشخوصها الثانوية فى المسرحية بعناية فائقة. فالشخصية المحورية “نعيم الشاعر” فاقد للبصر. ويستعرض العمل عبر عشرة مشاهد معاناة الشاعر من الهموم اليومية للمثقف العربى بجانب هموم فقد البصر، وكان نعيم تقمّص شخصية ابى العلا المعري الملقب فى الشعرية العربية ب “رهين المحبسين”، وتبدو المسرحية ذات هوية مصرية من حيث الشخوص واللهجة والأماكن، حيث تطوف الكاتبة بين عدة اماكن مصرية منها قصر نعيم والمقاهى الشعبية، مرورًا بمقر الجامعة الامريكية بالقاهرة، وتعكس المشاهد العشرة شخصية الشاعر الأعمى من حيث انه فاقد للبصر، وليس البصيرة. فهو متمرد ثورى، يستطيع وصف الطبيعة ببصيرة حادة يناضل بها الظلال، ويرسم مشاهد الجداول والأزهار، ويحدد ملامح الخريف والربيع، ويحارب الظلم والقهر، ويغنى للجمال، وتردد معه الجماهير أشعاره وأحلامه وتوقه إلى الحرية، فلا تجد قوى الشر حلاً معه إلاّ التفكير فى قطع لسانه بخداعه بإجراء عملية جراحية للإبصار يتم خلالها قطع لسان الشاعر الثائر، لكن تلك المحاولات الخبيثة من المنافقين وأصحاب المصالح تبوء بالفشل. - أمّا مسرحية “صاحية ونعسان” فهي عبارة عن 6مشاهد وتستلهم فيها الكاتبة أسطورة إيزيس وأوزوريس فى التراث الفرعونى قصة الملك الطيب الخير أوزوريس الذى قتل على يد أخيه الشرير ست، نتيجة للغيرة والضغينة. غير أن زوجته المخلصة إيزيس ظلت تبحث حتى عثرت عليه فى أحراش الدلتا. وعن طريق السحر الذى كانت تمارسه وتتسيده، اصبحت حاملاً. وأنجبت إيزيس ابنها حورس الذى أصبح وريثًا لعرش والده، وانتقم لأبيه أوزوريس الذى أصبح ملكًا على أرباب العالم الآخر. أمّا فى مسرحية ملحة فإن صاحية بنت الشيخ “حسن” تبحث عن عريسها المفقود “نعسان” فتلف النجوع والقرى بصحبة حفار القبور “عرفة العجوز” لتجمع جسده الذي قطّعه أخوه “عنيف” الشرير. صاحية وعرفة يطوفان أنحاء مصر المختلفة، ويلتقيان ب“حسن المغنواتي” وياسين ومتولي، وسعد اليتيم، وأدهم الشرقاوي. وتصبح هي نعيمة وبهية، وصبيحة وزينب، وشفيقة وتجمع الأجزاء الخمسة ليكتمل الجسد الممزق، ولكنه مشوه، فيخرج قزم من اللفة فترفضه “صاحية” وتعود للبحث من جديد.