لم نسمع من العلماء والمشايخ في العالم الإسلامي أية ردة فعل حيال الحادث الإرهابي الذي وقع الأسبوع الماضي في قطارات الأنفاق بالعاصمة الروسية موسكو، وراح ضحيته تسعة وثلاثون قتيلاً. كنت أتمنّى على المشايخ والعلماء والوعّاظ الذين يملكون عددًا هائلاً من المنابر الإعلامية، اتخاذ موقف واضح يدين الإرهاب، ويدين على وجه الخصوص العملية الإجرامية الأخيرة التي استهدفت الأبرياء من روّاد قطارات الأنفاق بالعاصمة الروسية، خصوصًا وأن مَن قاموا بتنفيذ العملية كانوا يتوارون خلف لافتات الإسلام. إن من واجب المؤسسات الدينية والعلماء والمشايخ والوعاظ والأئمة والخطباء في كل مكان، إدانة الإرهاب بشكل لا يقبل اللبس. إنه حق الأمة عليهم، وحق الشباب الذين يتم تضليلهم، ومن ثم تجنيدهم باسم الجهاد، ورفع الظلم، وباقي المبادئ الإسلامية والإنسانية السامية. لقد وضع القرآن الكريم ضوابط محددة للجهاد، ولإعلان حالة الحرب، وهو ما يجب أن يؤكد عليه العلماء عند تناولهم ظاهرة الإرهاب العمياء التي لا تفرق بين مدني بري،ء وبين مقاتل ظالم، ولا تلتزم بالضوابط القرآنية التي تظل عملية الجهاد مشروطة بها. يقول الله تعالى: (أُذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظُلموا وأنّ الله على نصرهم لقدير الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلاّ أن يقولوا ربنا الله) الحج. وهذا يعني أن إعلان الجهاد مشروط بوجود أمر من اثنين، فإمّا الإخراج من الديار، وإمّا الإكراه في الدّين. وكلا الأمرين لا وجود له في الحالة الشيشانية، أو في غيرها من أقاليم شمال القوقاز. إن ما ينطبق على القضية الفلسطينية، حيث يتم إخراج الشعب الفلسطيني من دياره؛ ليستوطنها بدلاً منه اليهود القادمون من كل أرجاء الدنيا، لا ينطبق على المسلمين الذين يعيشون داخل دول ذات أغلبية غير مسلمة. وهذا ما يجب على العلماء والمشايخ توضيحه بشكل جلي. المشكلة أن بعض العلماء والمشايخ في العالم الإسلامي اشترطوا لإدانة الإرهاب وقوعه على أرض مسلمة، واستهدافه للأبرياء المسلمين. وهذا لن يساعد على حل المشكلة، بل إنه سيزيدها تعقيدًا، لأنه سيوقع الناس في اللَّبس، وسيجعلهم عرضة للتضليل من قبل كل من في نفسه مرض. العلماء مطالبون بإدانة الإرهاب كمبدأ بغض النظر عن عقيدة ضحاياه.