أعود مجددا إلى تعليق وملاحظات القارئ الكريم الأستاذ/ أحمد محمد الغامدي على مقالي بعنوان «أم الفعاليات» في 26 ربيع الأول 1431ه الذي رأى فيه خروجاً عن المألوف من كتاباتي في انتقاد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما يقال حول «خصوصية» المجتمع السعودي، وإيراد كلام لكُتاب يشككون في مواقف من يدعون إلى الإصلاح ويعتبرونهم ينطلقون من رغبة في السلطة والتسلط وإثارة غبار الفتنة. وموضوع الخصوصية الذي أثاره والنقاط التي أوردها للتدليل على خصوصية هذه البلاد ليس لنا يد فيها، ويجب أن لا تُميزنا عن غيرنا من البشر أو عن بقية المسلمين. فلكل شعب من شعوب العالم، وليس للسعوديين وحدهم، خصوصية تاريخية وثقافية خاصة به، ولا بأس أن نتحدث عن الخصوصية السعودية في هذا الإطار، أما أن نجعل من هذه الخصوصية عنصر استعلاء علي غيرنا من المسلمين فإن هذا خُلق لا يتوافق مع خُلق المُسلم الحق. فالاستعلاء والعنصرية كمشاعر وسلوكيات هي مظاهر قبيحة ودميمة لا يجوز أن يتصف بها المسلم العادي .. فما بالك بالمسلم الذي يدعي الخصوصية؟! أما هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلن أكرر هنا الحديث عن ما تنقله كثير من الصحف ويكتبه كثير من الكُتاب وتنقله كثير من مواقع الشبكة العنكبوتية ووكالات الأنباء العالمية عن أخطاء الهيئة وممارسات منسوبيها التي جعلت منها المصادر الخارجية مدخلاً للإساءة إلى المملكة والتندر على أنظمتها الاجتماعية والقضائية، وأنا مع القارئ الأخ أحمد محمد الغامدي «أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجب أن يكون قدوة لغيره، وأن يلتزم قواعد الدين في هذا الخصوص (...) وأن نكون عوناً (لرجال الهيئة) نسعى بصدق لتقويم ما اعوج من سلوك بعضهم بالتي هي أحسن حتى تستقيم أمورنا وتجتمع كلمتنا لنكون بحق (خير أمة أُخرجت للناس)». لذا أجد ضرورة صدور نظام جديد للهيئة يتناسب مع وقع العصر ويعمل وفق أنظمة ولوائح تحدد مجال عمله وتزيل تداخل سلطات جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع سلطات أجهزة حكومية أخرى، حتى لا يكون جهاز الهيئة جهازاً فضفاضا غير محدد الملامح يجتهد بعض من منسوبيه خارج النص. وأخيراً نتمنى أن لا تمضي فترة طويلة قبل أن نرى مشروع تطوير نظام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أرض الواقع، وذلك وفق مفهوم عصري ينقلها من النظر إليها كشبح أو «فزاعة» للناس إلى مؤسسة حضارية تساهم في الرقي بأخلاقيات التعامل مع معطيات العصر وتحقق الأمن النفسي والاجتماعي والفكري، وتعكس وعي المجتمع والمواطن من اجل حياة تسودها الفضيلة في عصر متقدم، فالحسبة، كما يؤكد فضيلة الدكتور صالح بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى وامام وخطيب المسجد الحرام، هي إحدى وظائف الدولة المسلمة الكبرى واحد أركانها وثوابتها. نافذة صغيرة: ((الكل يعلم ويقر ويعترف أن سبب مشكلتنا أو قل سبب جمودنا الحضاري وعدائنا (للحداثة) نحن السعوديين هو أننا اختلقنا كذبة تاريخية سوداء بحجم الوطن وشعبه دون وعي منا لأبعادها الكارثية وعنادها الحضاري وقهرها الاجتماعي، وأسسنا عليها أفكارا وتوجهات خاطئة وهي: إننا شعب مختلف وبخصوصية ثقافية ومكانية)). سليمان النقيدان