مَلأ مروّجو نظريّات المُؤامرة الدُّنيا، وأشغلوا النَّاس بتوجّساتهم، بعد أن نشروا «جنون الارتياب» في مَفاصل المُجتمع، خلال العقود الثَّلاثة الماضية، مُحذِّرين مِن الغزو الثَّقافي، الذي يَمسخ الهويّة العربيّة والإسلاميّة الأصيلة، بمَزيجٍ مِن المفاهيم الماديّة، التي تَفتقر إلى القِيَم والمَبادئ..! ولكن لم يَلتفت أحد إلى السَّلبيّات، التي تنقلها الثَّقافة العربيّة إلى نَظيرتها الغربيّة، ولم يُكلِّف أحد نفسه عَناء البَحث، لرصد المُمارسات المُخجلة، التي يُحاول العربي –جَاهداً- تَرسيخها في المُجتمعات الغربيّة، مُستغلًّا قِيَم الانفتاح والحوار، وقبول الآخر المُختلف ديناً وعِرقاً ولوناً، لأنَّ العربي المسكين –كما تُروِّج نظريّات المؤامرة- حملٌ وَديع، ولا همّ للأُمم الأُخرى سوى التَّربُّص به..! ومَا كَشفته مجلّة «Now» الكنديّة، مِن تَسبُّب العَرب بغزو «الشِّيشة» للمُجتمع الكَندي، قد يُغيِّر بعض المفاهيم، حين يَنتقل العربي مِن مرحلة المُتلقِّي، إلى مرحلة المُؤثِّر الفَاعِل، حيثُ كَشَفَت المجلَّة النِّقاب عن سر انتشار الشِّيشة، المُتمثِّل في تَزايد أعداد العَرب -خاصَّة «السّعوديين»- الذين يُحبِّذون الدِّراسة في مدينة «تورنتو»، لتَقدُّم جَامعاتها، ولِمَا تَشتهر به المدينة مِن أمان، حيثُ اعتبرت المجلَّة -في ثنايا تحقيقها- أن أشهر مَقاهي «تورنتو» -المدينة الكنديّة الكبيرة- هو مَقهى «كازابلانكا»، الذي تعود ملكيّته لمُهاجر مَغربي..! وعَزَت المجلَّة شُهرة المَقهى، لتَزايد إقبال السّعوديين عليه، وباقي المُهاجرين العرب بدرجة أقل، وأن شعبيّة المَقهى تَكمن في نُدرة مَن يُقدِّمون «الشِّيشة والمعسَّل» في كندا، وهو ما يجعله مَقصداً لكثير مِن المُهاجرين والطُّلاب، مِن مُختلف دول العَالَم..! ويقول مُحرِّر المجلَّة بأنَّه تحدَّث مَع شَابّين سعوديين، الأوَّل مِن الرّياض -ويُدعى «فهد» -29 عاماً- حيثُ قال: (عندما أرتاد المَقهى أشعر كأنَّني في مركز اجتماعي؛ للتَّواصل مع الآخرين).. أمَّا الشَّاب الآخر فمِن جُدَّة –بضم الجيم- ويُدعى «خالد» -18 عاماً- فقال: (محبّتي للشِّيشة تَكمن في أنَّها تُذكِّرني بالوَطن)، مُعترفاً بأنَّه يَقضي في المَقهى –كُلّ يوم- سَاعات طويلة للاستمتاع..! وقد نَقلت المجلَّة؛ تَخوّف مُنظمة الصّحة العامَّة -في «تورنتو»- مِن الشِّيشة، حيثُ حَذَّرت مِن أنَّ عَادة تدخين الشِّيشة؛ لها مَضار صحيّة خَطيرة، لا تَقل عن مَخاطر تدخين السَّجائر، وأبدى المُتحدِّث الرَّسمي باسم المُنظَّمة؛ تَخوّفه مِن انتقال هذه العَادة إلى الشَّباب الكندي، بسبب المَزيج الثَّقافي الذي تَلعب فيه التَّركيبة السُّكانيّة دوراً كبيراً، خاصَّة وأنَّ الأجانب بَاتوا يُشكِّلون نسبة كبيرة مِن سُكَّان كَندا..! هذا ما نَشرته المجلَّة الكنديّة، والتي وَضعت يَدها على قَلبها، خَوفاً مِن المُمارسات التي ترى أنَّها «غريبة على مُجتمعها»، بعد أن بات الكنديّون يَخشون على أبنائهم مِن «رفاق الشِّيشة وأصدقاء المعسِّل»..! حسناً.. ماذا بقي..؟! بقي القول: إذا كان القوم –عندنا- لا ينتظرون أن يَرأف الغرب بحال شَبابنا، فعلينا –نحنُ- أن نَرأف بحال شَباب الغرب، لأنَّ «كُلّ وَاحد يَعمل بأصله» إن بَقي مِنه شيء..! وإذا كُنَّا قد فَشلنا في المساهمة التَّقنية؛ والعلميّة والاقتصاديّة في العَولمة، فإنَّ المُتعولمين الآخرين لديهم -مِن الأمراض والمساوئ- ما يَجعلهم في غِنى عن مُساهماتنا غير الصّحيّة..!.