تغيرت ظروف الدنيا وتبدلت أحوالها ولم يتبدل موقف بهاء طاهر من الكتابة والهم الإنساني الطاغي علي رواياته، وظهر خلال مجموعته القصصية الأخيرة “لم أعرف أن الطواويس تطير”، في قصتي “الجارة” و“الحفيد” اللتان وصفهما بأنهما الأقرب إلى قلبه، بقوله: “سيطرت فكرة الشيخوخة على أثناء كتابة هذه المجموعة وأعتقد أنها طريقة صادقة للتعبير عن عمري الحقيقي”. مضيفًا: “لم أحاول أن أفرض رؤيتي في بعض قصص المجموعة مثل “كلاب مستوردة”، فقصدت أن يكون الحوار غير مباشر بين البطلين، حتى لا يكون الكاتب منحازًا لأي طرف؛ ولذلك كان هناك حواران يسيران بشكل متوازٍ”. طاهر كشف الكثير من خبايا تجربته وهو يحفي بمجموعته الجديدة بحضور عدد من المثقفين والأدباء، حيث أشار في معرض حديثه إلى أن بدأه في الكتابة أعاد إليه الحافز في الحياة، مضيفًا: “الكتابة أنقذتني من الانتحار، وأصبحت منفذًا للتعبير عن ما أفكر؛ ولكني لم أخصص توقيتًا يوميًا للكتابة، فقط أكتب عندما يكون لدي مثير قوي للكتابة”. تغيير وشيك ولم يكتف طاهر بالحديث عن المجموعة الأحدث، بل استجاب لأسئلة الحضور حول الأوضاع الثقافية والسياسية قائلاً: أنا غير متفائل على المدى القريب، لكن بالرجوع إلى التاريخ أتفاءل بأن التغيير قادم، ولا أحد يدري ما هي الأسباب التي ستؤدي لهذا التغيير، الواقع نفسه سيفرض التغييرات؛ فكيف تستمر الحياة بمشاكل يومية وصلت لدرجة المآسي وكلما زادت زاد الاقتناع بأن التغيير قادم ليس بفعل الزمن ولكن بقوة رغبة الناس في التغيير. وضرب مثلاً بمكتبة خاصة في المعادي بالقاهرة قائلاً: “هذا المكان كان من الممكن أن يكون مطعمًا لأكلات شعبية وسيجني أموالاً أكثر؛ ولكن الرغبة في تقديم شيء أفضل جعله بهذا الشكل”. مثقف غير مؤثر كذلك لم يستبعد طاهر مسؤولية المثقف عن التغيير، مستدركًا بقوله: “المثقف ليس له دور مؤثر؛ وهو يعمل خارج المؤسسة الرسمية، وأهم أدوار المثقفين في التاريخ كانت من خلال المؤسسات التى تعمل على تغيير الواقع مثلما فعل الإمام محمد عبده في الأزهر، والعقاد من خلال الصحافة، أما المثقف الجالس في برجه العاجي فلن يستطيع شيئًا، والمثقف في مصر يحارب لأن يكون له دور مؤثر، رغم أن المثقف يجب أن يكون بنفسه مؤسسة تطرح خيارات مؤثرة للتغيير، ولكن المراحل السياسية في مصر توقفت قبل أن تؤتي ثمارها بشكل يتيح لها الاستمرارية فالاشتراكية والليبرالية وسياسة الانفتاح بترت قبل أن تستثمر نتائجها، فتحول الأمر من أن يظهر المثقف الحقيقي من خلال الانتخاب الطبيعي إلى مرحلة تعيين المثقفين الذين تتوافق آراؤهم مع المؤسسة. جنة القصة القصيرة وعن رأيه في موقف القصة القصيرة في الوطن العربي يقول طاهر: مصر هي جنة القصة القصيرة في العالم رغم أن هناك أزمة نشر للقصة لإتجاه دور النشر إلى الروايات لأنهم يفضلون الحجم “الكومبو” -على حد وصفه-، إلا أن هناك من يتحمس للقصص، لكن الحقيقة أنه يوجد أكبر عدد من كتاب القصة القصيرة في مصر، كما أن الإنتاج القصصي أرقي من الروايات الآن”. كتابات بذيئة وفي الوقت الذي احتفى فيه طاهر بالكتابات الجديدة ووصف نفسه بأنه الأكثر تحمسًا للكتاب الجدد ويرتبط بالموهوبين منهم بصداقات شخصية، هاجم بعض الكتابات البذيئة -على حد وصفه- في سياق قوله: التجديد لمجرد الإيهام بأن يكون النص مختلفًا ليس إبداعًا، أتضايق حقًّا من الكُتّاب الذين يقولون “لا أملك إلا جسدي ولا أكتب إلا عنه وليس لي دخل بالقضايا الكبري”، ولكنه عندما يتناول الجسد بهذا الشكل المقزز يكون بسبب قبح نابع من داخل الكاتب نفسه أو أنه مقتنع بأن هذا القبح قد يجذب الجمهور، وإن كان هذه الكتابات رائجة الآن إلا أنها ستندثر مع الوقت، فقد كان هناك كُتّاب في جيلي مثل عزيز أرماني أو محمد القصاص، لهم كتابات حققت مبيعات أكثر مما حققه نجيب محفوظ نفسه ولكن اختفت بعد فترة بعد أن خفت وهج كتاباتهم”. ورطة الترجمة مختتمًا بقوله: الأمر نفسه ينطبق على الترجمة للغات أخرى، فالغرب يريد أفكارًا معينة لترجمتها مثل اضطهاد المرأة أوانتقاد نظم الحكم الشمولية، فمعظم الأدب المترجم لا يهتم بتغيير فكرة الغرب إلي العرب بقدر ما يثبت نظرتهم الاستشراقية لنا، فخلال وجودي في أوروبا وجدت ترجمات لروايات عربية لا يعرف كُتّاباها، وفي الوقت نفسه عانى مترجم رواية لنجيب محفوظ من توزيعها خلال عامان، ونفذت 10 آلاف نسخة منها في شهرين بعد إعلان فوزه بجائزة نوبل، لهذا فنحن نحتاج إلي معجرة بحجم الهرم الأكبر لقلب المعادلة التي تجعل الأدب الجيد يقرأ، ولكن الأدب الردئ هو ما يقرأ بكثرة الآن.