يشكل القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك جزءًا لا يتجزأ من المنظومة العقدية لكل مسلم ومسلمة ومن التركيبة العاطفية للأمة الإسلامية يحبهم المسجد المحزون ويحبونه ويرخصون في سبيل الحفاظ عليه الغالي والنفيس ، فبداية لقد ربط الله تعالى في القرآن الكريم ربطاً لا انفصام لعراه بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى في قوله تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) ، و هو كذلك نقطة الانطلاق للرسول الأعظم محمد صلى الله عليه و سلم في رحلة المعراج السماوية المعجزة فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم عرج بي إلى السماء ) رواه مسلم ، و المسجد الأقصى كما في الحديث الشريف ثالث ثلاثة مساجد يشد إليها الرحال حصرياً فهو بذلك رمز إسلامي من رموز التوحيد الخالص لله رب العالمين ، و هو عند قيام الساعة أرض المحشر والمنشر فعن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قلت : يا رسول الله : أفتنا في بيت المقدس ، قال : أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه ، فإن صلاةً فيه كألف صلاة في غيره. قلت : أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه. قال: فتهدي له زيتاً يسرج فيه ، فمن فعل فهو كمن أتاه ) رواه أحمد ، و هو محل نبوءة قرآنية وشيكة الوقوع ( وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ). لكل ذلك و غيره ظلت نصرة الأقصى حلما يعيش في ضمير كل مسلم ومسلمة على مر العصور ومنذ أن وقع المسجد المبارك بداية في قبضة الحملات الصليبية في شعبان من عام 492 ه الموافق 1099 م وارتكب الصليبيون في ساحاته مجزرة تاريخية رهيبة لا تكاد الكلمات تستطيع وصف بشاعتها أودت حسب بعض الروايات بحياة 100,000 مسلم ومسلمة ، ثم قيض الله له من يحرره بعد 93 سنة من الاحتلال الصليبي ألا وهو العبد الصالح والقائد الإسلامي العظيم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله وكان ذلك في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شعبان لعام 583 ه الموافق 2 أكتوبر 1187م ، ونهاية بالاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967م المدعوم من العالم الغربي. وسطر التاريخ يوماً مجيداً عندما اتفق عدد من أهم القادة العرب في العقد الأخير من القرن الهجري الماضي على شن حرب مجيدة لاسترداد كرامة الأمة واستعادة أقصاها السليب ضمن أهداف أخرى فيما عرف بحرب رمضان المجيدة التي وافقت العاشر من رمضان المبارك لعام 1393ه السادس من أكتوبر 1973م ، ولتحقيق رغبة «صلاة في الأقصى قبل الممات» و في مقدمتهم الراحل الكبير الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله صاحب الموقف التاريخي العظيم في قطع البترول عن الغرب لمساندته إسرائيل ضد الحق العربي الإسلامي ، موقف تاريخي عظيم انتهى بإضافة اسمه رحمه الله إلى سجل شهداء قادة الأمة أصحاب المواقف العظيمة والذي بدأ باغتيال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، و هل تضيع عند الله ثم من ذاكرة الأمة الإسلامية أو من سجل أمجاد التاريخ مثل تلك المواقف المفصلية الفارقة. من نافلة القول إن إسرائيل العدوانية الاستعماراتية الصهيونية التلموذية لم تعد تقيم في عالم اليوم وزناً لمبادرات أصدقائها وحلفائها السياسيين والعسكريين والممولين وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة ناهيك عن أعدائها من العرب ، فلم ولن تتوقف عن الجهود الحثيثة الرامية لتهويد فلسطين عموماً والقدس خصوصاً والتي بدأت منذ سقوط القدس في يد الجيش اليهودي عام 1967م ، بل لقد بلغ العتو والغطرسة الإسرائيلية حداً تتباهى فيه بتوجيه الضربات السياسية لأقرب حلفائها الاستراتيجيين لها و هي بالطبع الولاياتالمتحدةالأمريكية ، وخير دليل على ذلك ما نشرته «الها آرتز» الإسرائيلية عن ردة الفعل الأمريكية في مواجهة الإهانة الصهيونية الأخيرة الموجهة لإدارة الرئيس أوباما ، حيث علقت على ردة فعل نائب الرئيس الأمريكي «بايدن» الذي صرح قبيل زيارته الأسبوع الماضي لإسرائيل بأن على إسرائيل التوقف عن بناء الوحدات السكنية بالقدسالشرقية لأن ذلك يخالف القانون الدولي فقابلت إسرائيل ذلك التصريح «الناري» لنائب الرئيس الأمريكي وبمجرد أن وطأت قدماه أرض فلسطينالمحتلة بالإعلان عن نية إسرائيل في التوسع في بناء آلاف الوحدات السكنية في القدس والضفة وبهضبة الجولان بالتالي : كان على «بايدن» أن يمسح عن وجهه البصاق وأن يقول بأنه كان مجرد مطر ، واقتصر رد فعل «بايدن» الذي بصق رئيس الوزراء الإسرائيلي في وجهه حسب تعبير «الها آرتز» على الوصول متأخراً عن حفل العشاء الذي أعده له رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيمين نتانياهو» بساعة ونصف الساعة. ياللهول !!! لقد بعثرت إسرائيل نتينياهو هيبة أمريكا «العظيمة» في الحضيض وأثبتت للعالم أن أمريكا أوباما الهزيلة لم تعد أمريكا أيزنهور التي هددت ابان العدوان الثلاثي ضد مصر عام 1956م و أمرت إسرائيل بالانسحاب الفوري من الصحراء المصرية وإلا ستتدخل بقطع المعونات الاقتصادية والسياسية عن إسرائيل وإن اقتضى الأمر بالتدخل العسكري الأمريكي ضد إسرائيل ، وانصاعت الأخيرة لإملاءات أمريكا ، كما تثبت أن من يحكم أمريكا على الحقيقة هو اللوبي الصهيوني واليمين المسيحي المتصهين الذي يرى في بقاء إسرائيل جزءًا من معتقداته الدينية ، وأن الإدارة الأمريكية لا تعدو أن تكون صورية على الأقل بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية ، وأن الكونغرس الأمريكي أصبح وبشكل علني سافر أشد اهتماماً بالمصالح الإسرائيلية منه بالمصالح الأمريكية . فما الذي بقي أمام العرب بعد كل هذا التعنت والصلف الإسرائيلي والعجز الأمريكي الفاضح من خيارات «السلام» و المفاوضات ؟! بالطبع لا شيء البتة ، الخيارات المتبقية مفتوحة أمام القادة العرب والوحيدة في قمتهم القادمة بليبيا المزمع عقدها في السابع والعشرين من مارس الحالي هي التعبئة العامة للدول والشعوب العربية والإسلامية لمنع هدم الأقصى الشريف وبقية المقدسات الإسلامية بفلسطين ، وإعادة القضية إلى مستواها الإسلامي وليس الفلسطيني أو مستوى السلطة الفلسطينية الفاشلة ، وكسر الحصار الخانق عن غزة المصابرة ، ووقف نهب ما بقي من أرض فلسطين المسلمة وإيقاف سفك دم العربي المسلم بفلسطين ، فإسرائيل قد أثبتت بهمجيتها البشعة وغطرستها الفائقة أنها لا تستجيب لشيء سوى لمنطق القوة ، و القوة وحدها ، فهل نعي قول الله تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ... أرجو ذلك قبل فوات الأوان و خراب كل المنطقة العربية وليس فلسطين وحدها ، ويكفي أن يهوداً قد سموا كنيسهم الذي أقاموه الاثنين الماضي بالقرب من المسجد الأقصى بكنيس الخراب ، يريدون بالطبع خراب ديار الإسلام والمسلمين لكن الخراب بحول الله واقع بهم وبأيديهم و أيدي المؤمنين.