ألقى الشيخ صالح بن عواد المغامسي «إمام وخطيب مسجد قباء» في مركز الأمير سلطان بن عبدالعزيز لرعاية الأطفال المعوقين بالمدينة المنورة محاضرة بعنوان «جنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى» وذلك ضمن فعاليات ندوة حقوق المعوقين بين الواقع والمأمول، وقد استهل المغامسي محاضرته بذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا) ثم بين فضيلته أن الرضا بالرب المراد به أمران الرضا بإلوهيته والرضا بربوبيته، فينجم عن هذا الأصل وهو الرضا بقضاء الله وقدره ، ينجم عنه الرضا عن الله ، وإذا نجم عنه الرضا عن الله أورث الله جل وعلا في قلب ذلك العبد الرضا عنه ، فيشعر العبد به ، إلا أن العبد يلقى ذلك في موقفين متعاقبين الموقف الأول يوم تفيض روحه قال أصدق القائلين : (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً) هذا يقال له عند فراقه لجسده. وأما الشق الآخر من الآية (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي *وَادْخُلِي جَنَّتِي) يكون يوم القيامة ،وعن العوامل المعينة للعبد للتسليم بقضاء الله وقدره قال فضيلته إن أعظم ما يمكن أن يستصحب في هذا المجال أن تعلم أن الله تبارك وتعالى أرحم بك من نفسك ، فالحال التي هو عليها من ابتلاء وقع عليه قدره من هو أرحم بالعبد من نفسه ، وهذه حقيقة ينبغي أن لا يرتاب فيها أحد ، أياً كان حال الابتلاء الذي هو فيه ، صغر أم كبر ، عظم أم حقر ، في جسده أو ماله أو في أهله ، الله جل وعلا أرحم بنا من أنفسنا ، لكن الفارق أين يقع ؟ اننا نحن معشر بني آدم لا نرى إلا ما نبصر ويخفى علينا الحكمة التي لا تتضح لنا لكننا على يقين أننا في كنف ورحمة أرحم الراحمين، وأكد الشيخ صالح على أهمية استصحاب الإنسان أن الله جل وعلا منزه عن الظلم ، فإذا رأى مبتلى ومعافى فليعلم أن الله جل وعلا منزه عن الظلم فلا يقع في خلده أن هذا به شيء وهذا بخس حقا ، الله منزه عن الظلم. وأن يعلم كل أحد بتريث مع نفسه وتأمل مع ما يقع أن الحياة الدنيا ما هي في الأصل إلا مرحلة ، قال الله جل وعلا : (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً) ،وبين فضيلته أن القلوب أوعية لا يرتاب في هذا عاقل وأن لا علاقة في حياة الإنسان الظاهرة بحياة قلبه ، فقد ينعم من يعيش في الكهوف ، ويشقى قلبيا من يعيش في القصور. وأن الجنة التي في القلب هي أصلها جنة رضا عن الله فيصبح العبد فرحا فخورا أنه عبد لله ، المسألة كلها أن الله جل وعلا جعل قلوب عباده الصالحين أوعية لمحبته، فإذا أراد الله أن يكرم عبدا جعل في ذلكم القلب محبة لله ، وبين الشيخ صالح أن المعافى حقا من هو راض أنه عبد لله وهو يطيع الله. وأن المعاق حقا من لا يعلم بأنه عبد لله وما سعى يوما في طاعة ربه ، لأن كلا من الرجل والمرأة ، سيفدان على الله ،قال تعالى :»يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً* وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدا» لا يمكن أن تكون في حياة المرء لحظة أعظم من لحظة يشعر فيها حقا أنه عبد لله ، أيا كان حاله ، وهذه اللحظة تتسامى تتعالى إذا كان مبتلى وهو راض عن الله ، وفي بيان له عن التسليم لرب العالمين وسعي المبتلي لبناء مجده قال فضيلته إن ديننا عظيم وإن جاء بالتسليم لرب العالمين جل وعلا وقضائه وقدره لكن لا يعني ذلك البتة أن الإنسان لا يسعى في بناء مجده وعلو كعبه وحضوره في مجتمعه ينبغي أن يعلم أن هناك انفكاكا في الجهة ، التعامل مع الرب غير التعامل مع العباد ،فكون الإنسان ينتصر على ذلك الابتلاء بأن يبقى قويا ، يقول عمرو ابن الجموح رضي الله عنه : « أرجوا أن أطأ بعرجتي هذه الجنة « ، وعبد الله ابن مكتوم ولد أعمى ومع ذلك كان مؤذنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،من القرائن من الأدلة على التسليم لقضاء الله جل وعلا وقدره أن يسعى الإنسان للعمل في مجتمعه ، أن لا يظهر الإنسان العجز أن لا يظهر الإنسان الضعف ، يسلم لله جل وعلا بقضائه وقدره ، ثم يمكث في الحياة يسعى ، لكن لا شك أن الناس في هذا يختلفون بحسب ما مُكن لهم وبحسب فضل الله عليهم لكن المقصود أن هذا من دلالة علو الهمة ومن قرائن الرضا عن قدر رب العالمين جل جلاله ، وحول الواهب الحق لجنة الرضا عن الله والتسليم له قال فضيلته كل أحد إنما جنته الحق في قلبه وهذا لا يتأتى إلا بهبة من الله ، ولا يمكن أن تكون من الله حتى يكون رضا من الله عن ذلك العبد ، ولا يكون رضا من الله عن ذلك العبد إلا إذا كان هناك توفيق للعمل الصالح توفيق لذكره جل وعلا والثناء عليه تبارك وتعالى بما هو أهله».