دخلت مدينة القيروان التاريخ من جديد من الباب الواسع لاختتامها لتظاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية لسنة 2009 بحفل ضخم حضره عشرات الضيوف العرب والأجانب في مقدمتهم الدكتور عبدالعزيز التويجري المدير العام للايسيسكو، ووزير الثقافة اليمني الذي تسلّم المشعل لتكون مدينة “تريم” اليمنية عاصمة للثقافة الإسلامية في هذا العام 2010 بعد القيروان التي أشعت بالثقافة الإسلامية وسارت على نهج المؤسسين وأعلامها البارزين في مد جسور الحوار مع الثقافات الإنسانية.. وكانت القيروان قد نالت شرف اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية لسنة 2009 باقتراح من المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «الإيسيسكو»، وقد انطلق البرنامج الرسمي للاحتفالات يوم 8 مارس 2009 تحت إشراف الرئيس زين العابدين بن علي عبر موكب كبير أقيم بصحن جامع عقبة بن نافع بحضور عديد الشخصيات الوطنية ووزراء الثقافة في الدول الإسلامية وممثلي المنظمات الثقافية الدولية والإقليمية والمنظمات العلمية الإسلامية والدبلوماسيين وثلة من كبار المفكرين وعلماء الدين ورجال الثقافة من تونس ومن خارجها. تخللها مجموعة من المؤتمرات الدولية والندوات واللقاءات الفكرية التي نظمت على هامش هذه الاحتفالية، من بينها المؤتمر الدولي بخصوص حوار الحضارات والتنوع الثقافي الذي افتتحه الرئيس التونسي يوم 2 يونيو 2009 والذي يعتبر أبرز الفعاليات المبرمجة، وقد أكد زين العابدين خلاله حرص تونس الدؤوب على إتاحة فرص التواصل والحوار بين الأمم وإثراء قنواته في مختلف الميادين، مشيرًا في ذات السياق إلى أن الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تأسيس شراكة دولية للحوار والتعاون والسلم والتنمية تكرس التواصل بين جميع الأمم في كل مكان، بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو اللغة.. إشعاع القيروان عبر العصور ومن الندوات الدولية والوطنية التي أثرت هذه التظاهرة والتي احتفت بتاريخ هذه المدينة العريقة ندوة بعنوان “إشعاع القيروان عبر العصور” التي نظمت من قبل وزارة الثقافة والمحافظة على التراث والمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” إسهاما في إثراء المكتبة القيروانية بقائمة جديدة في الدراسات المختصة، وتناولت بالدرس مسائل لها صلة بإشعاع القيروان السياسي والديني والحضاري، فضلاً عن بحث علاقة القيروان بالأندلس وبمصر وكذلك بالإمبراطورية العثمانية، إلى جانب تسليط الأضواء على موسوعة المؤلفات القيروانية. وتمحورت جلساتها العلمية حول صفحات من تاريخ العرب، القيروان مدرسة الفقه، مسالك الإبداع في القيروان، القيروان منبت العلوم عند العرب، القيروان والعمران، مدرسة الطب بالقيروان والعلماء والسلطان، وبلغ عدد المشاركين أكثر من 80 أستاذًا جامعيًّا وباحثًا من المهتمين بتاريخ القيروان من تونس وعديد البلدان العربية والإسلامية والأوروبية.، بجانب ندوة الاحتفاء بكبار علماء القيروان وإسهاماتهم في صنع مجدها العلمي والديني والحضاري مما جعلها منارة مشعة عبر العصور، وبحثت جلساتها التي شارك فيها مفكرون تونسيون وآخرون من الدول العربية والإسلامية والإفريقية، تناولوا الحياة العلمية والثقافية بالقيروان، بتركيز على كتبها ومعالمها وإضافاتها في الشأن التربوي والثقافي والعلمي كما نظمت أيضًا ندوة “القيروان بين الذاكرة والتراث” تم فيها التطرق إلى ما حام بشأن القيروان من أساطير إبان تأسيسها، والبوادر الأولى التي رسمت ملامح مجلة الأحوال الشخصية والمتجسمة في شرطية “الصداق القيرواني”. واحتضن مقر الأرشيف التونسي ثم المركز الثقافي أسد بن الفرات بالقيروان معرضا بخصوص “القيروان عبر أرصدة الأرشيف الوطني” ضم وثائق لنخب العلم بين فقهاء وقضاة ومفتيين من أهل القيروان، وصورًا ورسومًا ومراسلات عن المدينة ومبانيها، بالإضافة إلى عرض وثائق عن أقدم عمليات إحصاء سكانها وعروشها الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي سنة 1881 إضافة إلى ندوة الأنثروبولوجيا في الثقافة الإسلامية والتي شكّلت محطة هامة للباحثين والمعنيين بهذا الفرع من التخصصات العلمية لتبادل المعلومات ونتائج البحوث والدراسات المنجزة والخدمات الجليلة التي أسداها الرواد المسلمون في هذا المجال، واستطاعت الندوة أن تنفض الغبار عن بعض الجوانب المتصلة بمدى تجذر هذا العلم في الثقافة الإسلامية. ودعا المشاركون الى إصدار معجم متعدد اللغات يعنى بضبط مصطلحات علم الإنسان (الانثروبولوجيا).. هذه التظاهرة لم تكتف بالندوات فقط بل تم تنظيم مواعيد فنية دورية قدمت أثناءها باقة من العروض التراثية والموسيقية والغنائية والمسرحية والسينمائية، بمشاركة مجموعة من الفنانين التونسيين علاوة على الفرق العربية والأجنبية التي وفدت خصيصًا على القيروان لتقاسمها فرحتها. ليختتم بالعرض الموسيقي “بحور العشق” للتونسي المهاجر خالد بن يحيى بمشاركة نخبة من الفنانين.