من منظور يتجاوز الصحافة المحلية تواجه الصحف الورقية المقروءة على مستوى العالم تحديات مستمرة كصناعة قابلة للبقاء، تحديات قديمة وجديدة إقتصادية وغير اقتصادية، وكل صناعة أساس بقائها اقتصادي، إلا أن وظيفة الصحافة تجعل العامل الاقتصادي لا يحكمها بشكل تام . فالصناعات تتوقف إن لم تحقق الربح المجزي المعوض عن فقدان فرص الإستثمار البديلة، بينما قد تستمر الصحف فى الإصدار رغم أنها لا تحقق أرباحا أو حتى مع تحمل خسائر يعتبرها الممولون وأصحاب المشروع مقبولة إن كان مبتغاهم منه لا ينحصر فى العائد المادي، لازال العامل الاقتصادى يحكم صناعة الصحافة لكن ليس الى نفس درجة غيرها من الصناعات، ولازال التحدي الاقتصادي أهم ما يواجه الصحافة العالمية، فالتكاليف في تزايد والعوائد فى تراجع بسبب قنوات الإعلام والنشر المنافسة (مرئية ومسموعة وألكترونية) والأكثر كفاءة اقتصاديا وأكثر قدرة على جذب المتلقى . القنوات المنافسة التحدى الثاني، وهى في تزايد نوعى وكمي، بعد الكتاب والإذاعة والتلفاز والندوات جاءت الشبكة العنكبوتية وجميعها تتمتع فى مواجهة الصحافة بمزايا نسبية، وقد لا يكون بعيدا اليوم الذى يصبح فيه موقع الجريدة على الإنترنت أفعل فى التواصل والوصول الى القراء مما تصدره مطابعها . فى مجال الإعلام السرعة تساوى وأحيانا أهم من القيمة، فالإعلام يعنى إيصال المعلومة أو الفكرة الى الغير، والسرعة عامل جوهرى الى جانب قيمة المحتوى، لذلك ومنذ زمن طويل خسرت الصحافة سباق الخبر ولن تكسبه مهما اجتهدت، تغذية الخبر بإضاءة جوانبه واستثماره مسألة لازال فيها مجال للمنافسة لكنه ضئيل ومتوقف كليا على المهارات المهنية للمحررين، وكلما علت المهارات زادت تكلفتها على صناعة مضغوطة اقتصادياً من البدء. بفقدان الدور الإخبارى سيفرض على الصحافة الانحسار الى الدور المعرفى الثقافي، ومعه ستنحسر شريحتها من المتلقين فتنحصر فى الفئة التى تحتاج لهذا الدور وقادرة على التجاوب معه، هذا لا يمثل مشكلة على مستوى العالم خارج أفريقيا وبعض مناطق آسيا وأمريكا اللاتينية لأن هذه الفئة فى إزدياد مع اطراد الوعى المعرفى . ولا منافس جدى للصحافة فى هذا المجال سوى الكتاب، وهى ليست منافسة بالمعنى الصارم لأن الوسيلتين تختلفان وتتكاملان، فالقيمة الفكرية للكتاب يفترض أن تكون أعلى من المتاح لجريدة، دون أن يكون هذا مبررا لسقوط الأخيرة الى درك السطحية والغوغائية والتفاهة وإلا فقدت الدور والوظيفة والقدرة على التكامل مع الكتاب . كان هذا الإتجاه وراء ظهور المجلات المتخصصة، وهى صورة وسط تقع بين الكتاب والمجلة الدورية المنوعة، لا تكاد تعرفها صحافة العالم الثالث على الأقل بمستوياتها فى غيرها، ذلك راجع الى محدودية سوق هذا النوع من الدوريات فى العالم الثالث وقلة عدد الكتاب ذوي المستوى المطلوب، فالكتابة لا تتطلب فقط التمكن العلمى والمعرفي، ولا يتحتم أن يكون العالم أو الباحث مهما نبغ كاتباً مقبولاً. التحديات على شدتها ليست قاتلة إن استغلت الصحافة ميزتها النسبية على الوسائل الأخرى، هذه الميزة موجودة وتتمثل فى الدور الذى لا يؤديه الكتاب ولا الوسائل الأخرى ذات السرعة التى احتكرت الخبر أو كادت، وحسن استغلالها متوقف على الكفاءة المهنية والمعرفية للعاملين، لذلك فالمشكلة الرئيسية صعوبة إعداد الكفاءات ثم الاحتفاظ بها من قبل صناعة مضغوطة اقتصاديا . كذلك ولا محددات سوق التوزيع بائسة طالما بقيت للقراءة متعتها التي لا تشبعها المشاهدة والسماع، ومستقبل السوق متوقف على تشجيع هذه المتعة وتنميتها .. لم أتحدث عن تحديات الصحافة المحلية وفى العالم الثالث، إلا أن ما ينطبق على العام ينطبق الى حد ما على الخاص، قد يكون هذا موضوعا لمقال تالٍ.