وبدوره يشدِّد الدكتور حاتم الشريف عضو مجلس الشورى أن على الحاكم منع ذيوع الفتاوى الخارجة عن حدود الاختلاف، ويقول: أي فتوى أو مقالةٍ خارجةٍ عن حدود الاختلاف المعتبر فيحق، بل يجب على ولي الأمر (وهو الحاكم المسلم) منعُ ذيوعها بين الناس، وإذا ما أدى ذلك القول المُحْدَث وغير المعتبر إلى مفسدة فيحق للحاكم المسلم أن يحاسب صاحبه ويعاقبه بقدر إفساده وبقدر ما يردعه عن نشر ذلك الرأي. هذا أحد واجبات وصلاحيات الحاكم المسلم التي نصّ العلماءُ عليها؛ لأن من أوجب واجبات الحاكم المسلم الحفاظُ على الضرورات الخمس التي يأتي على رأسها الحفاظ على الدين ثم النفس والنسل والعقل والمال. ومضى الشريف قائلاً: من ذلك ما صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه عَلِمَ أن بعض الصحابة كان يفتي في أن الغسل لا يجب من مجرد الجماع، وأن الماء لا يجب إلا من الماء، كما كانوا يعبرون. وكان هذا الرأي مخالفاً لما استقر عليه الحكم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مس الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل". فلما كان الرأي الأول يخالف الحديث الصحيح مخالفة مقطوع بها، وهو بذلك دخل في جنس الاختلاف غير المعتبر، قال عمر رضي الله عنه: "لا أسمع أحدا يقول: الماء من الماء؛ إلا جعلته نكالا" وفي رواية: إلا أوجعته عقوبةً". فهذا عمر يتوعد بالعقوبة على رأي لا يفسد به إلا حكمٌ من أحكام الدين، فكيف إذا أفسدت الفتوى مع الدين النفسَ وهدّدت الأمن وكانت ذريعة لفتنة في الأرض وفسادٍ عريض؟ ونهى الشريف عن الدخول في نوايا المفتين فقال: الدخول في النوايا ليس من شأن البشر، المهم هو أن لا نسمح لأي أحد وبأي ذريعة أن يزرع بذور الفتنة، بنية حسنة أو سيئة". وأوضح الشريف الدور الذي على الهيئات الشرعية القيام به، فقال: من واجبات الهيئات العلمية أن تمنع الاختلافَ الشاذ غير المعتبر من أن يشيع بين الناس، وأن تحذّرهم منه، وممن يكثر منه هذا الشذوذ العلمي بعد نصحه وإقامة الحجة عليه في شذوذه، لكن بشرط أن لا تتجاوز هذه الهيئات العلمية في منعها وتحذيرها من الاختلافِ غير المعتبر إلى الاختلاف المعتبر السائغ؛ لأن الاختلاف المعتبر اختلافٌ مقبول، لا يجوز منعه ولا التحذير من القائل أو العامل به، والتفريق بين هذين النوعين من الاختلاف من أهم ما يجب أن يكون ظاهراً واضحَ المعالم لدى المشتغلين بالعلم الشرعي؛ لأنه هو الذي تبنى عليه الطريقة السليمة للتعاطي مع الاختلاف والتعامل معه.