الحريّة قيمة نبيلة في الحياة ، وجزء جوهريّ منها، لا يصبح للحياة معنى بدونها ، ولا يكون للإنسان وجود بمعزل عنها ، والأديان السماوية جميعها ، والقوانين والدساتير الوضعيّة كلّها تمجّد الحريّة ، وتدافع عنها ؛ لأنها ضرورة وجود ، ومقوم حياة . لكن الإشكال الذي يولّد العنف والصدام بين الأفراد والمجتمعات والأمم يكمن في الوعي بحقيقة الحريّة ، وحدود ممارستها . الحرية الشخصية لا ينبغي أن تتحول إلى أغلال للآخرين ، لأنها تكون وعيا منحرفا بالحرية وتطبيقا مشوها لها ، لذلك تطرف كثير من الأفراد والمجتمعات والأمم في مفهوم الحريّة فتحولت إلى لعنة . إن حرية الجماعة على حساب الفرد قتل لروح الإنسان ، وكبت لقوى الخير في داخله ، وإطفاء لشعلة الانتماء في أعماقه ؛ لأنه يحس أنه ترس في آلة لا قيمة له في ذاته ، فهو رقم في رزمة من الأرقام ، وهذا كان أحد أهم أسباب انهيار الشيوعية التي صفدت حريات الأفراد ، وقتلت روح النبوغ في أعماقهم ، وحولتهم إلى قطعان من الخدم لوطن تم اختصاره في حزب ، وحزب تجسد في زعيم ضرورة . وحرية الفرد على حساب الجماعة تثوير لنوازع الشر في أعماق النفس البشرية ، وتمجيد للتمركز حول الذات ، وهتك لقوانين الفطرة ، ومنطق التعايش بين البشر . إن أعظم حرية أن يتحرر الفرد من نوازع نفسه الأمارة بالسوء ، وينجح في تقليم أظافر شهواتها ، وحبها للغلبة والأثرة . هذه الشعور الفياض الذي يغمر النفس الإنسانية يشعر الذات بقيمتها من خلال اندماجها في الجماعة ، ولذلك قالت الحكمة : الإنسان قليل بنفسه كثير بإخوانه . عبادة الحريّة لا تؤول بصاحبها إلا إلى نار الحسرة ، وحصاد الوهم ، والخسران المبين . الحرية قيمة معها يشعر الفرد بوجوده ، ولكي يحقق الحرية في ذاته يجب أن يستشعر أن الآخرين بحاجة إلى هذا الشعور ، فيتقاسم معهم هذا الشعور ، ويشاطرهم هذه اللذة ، ولن يتحقق ذلك إلا حين يكون الفرد قادرا على التحرر من عبودية النفس التي تحول الحرية إلى سلطة وقمع وأثرة، وقد قيل :عبد الشهوة أسير لا ينفك أسره . الحرية تواءم مع نداءات الفطرة النقيّة التي تجعل من مدنية الإنسان شرطا للحياة السويّة . والتواؤم لا يكون بالقهر والغلبة والاستبداد والاستعباد . اليوم تحت ضباب الحرية ورهج سنابك خيل عبيدها تختلط المفاهيم ، وتفسد التصورات وتنحرف السلوكيات والمواقف . وما يجري من تطبيع للناس على الرذائل ، ومحاربة الفطرة النقية ، والوحي المبين شاهد عدل على ما نقول . لقد وضعوا المرأة ندا للرجل باسم الحرية ، وسوغوا النهب والسلب والدكتاتورية باسم الحرية ، وأعلنوا الحرب على الله تحت شعار الحرية ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور . الحرية أن تكون عبدا لربك ، متحررا من سلطة نفسك ، محبا لأخيك ما تحب لنفسك . ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً. [email protected]