ظلت مدينة القدس مرتكزًا أساسيًّا للتناول تاريخًا وحاضرًا ومستقبلاً، وعنيت بأمرها الكثير من الكتابات والبحوث والدراسات في مواجهة ما تتعرض له من تهويد ومحاولة لطمس معالمها خدمة لما يضمره الكيان الصهيوني من أهداف تسعى إلى تفريغها من بعدها التاريخي المرتبط بالعروبة والإسلام، واستبدالها بما يتوافق والأساطير اليهودية والإسرائيلية، لتصبح كل كتابة جادة عن القدس وتاريخها وما يتعلّق بها نقطة مهمة تضاف إلى سجل المنافحة عن مسرى النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومحضن بيت المقدس العظيم. ومن بين هذه الكتب التي تناولت القدس بالأبعاد التي أشرنا إليها كتاب «القدس.. ذاكرة الماضي ورؤى المستقبل» الذي قدّمه مؤلفه عبدالله بن سالم الحميد بمناسبة اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية وما صحب ذلك من اعتراضات من قبل الكيان الصهيوني المحتل. ليقدم رؤيته فيهذا الكتاب الصادر عن دار الخنساء للنشر والتوزيع بالرياض والمنبسط في بياض 296 صفحة من القطع الكبير. يكشف المؤلف الحميد عن الخطوات الأولى لكتابه في ما ضمنه من كلمات طي تقديمه بقوله: «راودتني فكرة الكتابة عن القدس من زمن غابر وألحّت عليّ، وتناولت معاناة المسجد الأقصى من الاحتلال الصهيوني الغاشم والحرق والاعتداءات المتنوعة في قصائد نشرت في الصحف، وفي مجموعاتي الشعرية الصادرة منذ ثلاثين سنة حتى الآن.. وواجهتني تساؤلات تبرز أمام كل مهتم بشأن القدس: ماذا يعني «القدس عاصمة الثقافة؟»، ولماذا يرفض اليهود الاحتفاء بالقدس عاصمة للثقافة؟ وهل هو امتداد لرفضهم إعلانها عاصمة لفلسطين؟ ولماذا الإصرار على تهويد القدس وتغيير اسمها ومعالمها؟ وفي ما يشبه التوثيق الداحض لكل محاولة الطمس، والمثبت للروايات التاريخية السليمة يقدّم الكتاب بانوراما تاريخية للقدس، مستهلاً بالإشارة لأسماء بيت المقدس المتعددة، مبينًا أن أقدم أسمائها هو «يبوس» نسبة إلى «اليبوسيين» المنحدرين من أصل عربي والذين أطلقوا على القدس «أور سالم» أي «مدينة السلام»، والمنقلبة في اللغة العبرية إلى «أور شليم»، ومن بين أسماء القدس التي أوردها المؤلف «إيلياء» بحسب ما ورد في وثيقة الشهيرة لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ثم ينتقل المؤلف إلى إحصاء أبواب القدس وسورها وموقعها، مبينًا أن للقدس سبعة أبواب هي: باب الخليل أو (باب يافا)، وباب النبي داود، وباب المغاربة، وباب الجديد، وباب العمود (باب دمشق)، وباب الزهراء، وباب الأسباط. منفلتًا من ذلك إلى المسجد الأقصى والمراحل التاريخية التي مر بها، مؤكدًا أنه ثاني مسجد بناه أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام بعد الكعبة المشرفة، موردًا ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في هذا الأمر، مقدمًا وصفًا للمسجد الأقصى يبين موقعه بالتحديد القاطع وما يحيط به من أروقة وأبواب ومشاهد، معقبًا ذلك بتقديم لمحات من تاريخ المسجد الأقصى، مشيرًا في ذلك إلى أن «المسجد الأقصى عند العلماء والمؤرخين أشمل من مجرد البناء الموجود الآن بهذا الاسم إذ هو اسم لجميع المسجد الذي بناه سليمان عليه السلام، فكل ما هو داخل السور الكبير ذي الأبواب يُعدُّ مسجدًا بالمعنى الشرعي، فيدخل فيه على ذلك مسجد الصخرة ذو القبة الذهبية المنصوبة على المبنى المثمّن..» ويورد الحميد آراء العلماء المختلفة في تعيين أو من وضع المسجد الأقصى والمنقسمة إلى ثلاثة آراء تذهب أولاها إلى أن أول من بناه أبو البشرية سيدنا آدم عليه السلام، ويذهب بعضهم إلى أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، أما القول الثالث فيرجح بناء نبي الله يعقوب عليه السلام لبيت المقدس، ويقدم كل رأي حججه المعضدة من النصوص المتواترة، غير أن المؤلف يذهب إلى ترجيح بناء أبو البشرية سيدنا آدم عليه السلام. ويتتبع الكاتب أهم المراحل التاريخية التي مرت بالقدس والأقصى قبل الرسالة الخاتمة، وما صحب هذه المراحل المختلفة من أحداث موثقة في سجل التاريخ، واصلاً من تطوافه التاريخي إلى بيت المقدس في كنف الإسلام منذ عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم وصولاً إلى مرحلة تضعضع الدولة الإسلامية واستيلاء الجيش الصليبي على بيت المقدس، ثم عودة الشوكة الإسلامية على يد القائد الإسلامي الشهير صلاح الدين الأيوبي، ثم سقوط الخلافة العثمانية واستيلاء الإنجليز واحتلالهم لفلسطين وما تبع ذلك من أحداث في التاريخ الحديث والتي انتهت بإقامة دولة الكيان الصهيوني إلى يومنا هذا، ومحاولته المستمرة لطمس التاريخ وتهويد كافة الأراضي الفلسطينية والعربية ومظاهر العنف المستشري للكيان الصهيوني إما بمباركة الدول العظمى أو غضها الطرف عمّا تقوم به من جرائم مشهودة وموثقة في التاريخ الحديث.. ويقدم الكاتب في ختام هذا السفر جملة من الملاحظات لموجهة خطر تهويد القدس، وتهديد عروبة فلسطين. موردًا بعضًا من قصائده التي ناصر بها القضية الفلسطينية.