تصوّروا هذا السيناريو البسيط: فلسطيني، مطرود، مقهور، يعيش في أقاصي أمريكا الجنوبية، يقدم على قتل موظف صهيوني صغير في سفارة إسرائيل هناك. ولمزيد من الإثارة لنفترض أنه (حماسي) يؤمن بالمقاومة، ويكفر بالتطبيع. تُرى كيف ستكون ردود الأفعال لدى بعض الأقلام التي تعوّدنا على التزامها بولاء ظاهر، أو مستتر للكيان الصهيوني الغاصب، ومَن يسير في ركابه من الأنظمة والمنظمات العميلة؟! السيناريو المحتمل طبعًا هو النعيق بأعلى صوت، والتحذير بكل قوة من جرائم حماس الإرهابية في حق إسرائيل المسالمة! في نظر هؤلاء إسرائيل دولة وادعة، وجزيرة هانئة، تحيط بها أمواج التطرّف، والتخلّف، والرجعية. في نظر هؤلاء لا تمثل حماس إلاَّ شوكة حادة في خصر السلام الأخضر، وفي نظرهم لا تحسن قيادات حماس إلاَّ رفض أغصان الزيتون التي تلوح بها إسرائيل دائمًا. إنها فوبيا لا مبرر لها سوى العلاقات المشبوهة التي تقيمها إسرائيل مع هؤلاء، بل ربما هي أوامر لا تقبل النقاش: كونوا ضد حماس على طول الخط.. بمبرر وغير مبرر. هي حرب نفسية يشنّها الصهاينة للقضاء على كل مقاومة مهما صغرت. وأمّا الجريمة الدولية المنظمة التي تمت بإشراف الموساد الإسرائيلي، وانتهت باغتيال محمود المبحوح في دبي، فتمر على هؤلاء مرور الكرام، بصفتها مجرد خبر تتناقله وسائل الإعلام لا غير. (حماس فوبيا) هي عرض واضح لمرض غامض. غامض لأننا لا ندرك أبعاد الارتباط الوثيق بين التابع والمتبوع، وبين السيد والعبد، وبين الآمر والمأمور. لكن ثمة مرض لا تحسن حماس تشخيصه؛ لأن المعلومة مفقودة، ولذا ربما وجب على حماس القبول بكل ما يصدر من هؤلاء التابعين، فهم معذورون؛ لأن فكرهم ورأيهم موجه سلفًا لا يملكون له حولاً ولا قوة. ليس بعيدًا أن تُجاز مقالات هؤلاء سلفًا كي يتم التأكد من الانحياز الكامل للعدو الجاثم، فلا تصدر في حقه كلمة يشتمُّ منها انحراف عن الخط الصهيوني المستقيم، ولو بقيد أنملة. هؤلاء يجب أن يكونوا شارونيين أكثر من شارون، ومنتنين أكثر من نتنياهو، وأخيرًا مزايدين حتى على الصفيق السخيف ليبرمان البغيض.