من آراء ومقالات الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك على موقعه على شبكة الإنترنت التي فرح بها تلاميذه ومن يقلدونه فجرت أقلامهم بتأييده على الموقع ذاته، مقال بعنوان (تحذير من فتنة الدعوة إلى الاختلاط)، بدأه بحكم مستعجل لم يسق عليه دليلا فقال (إن الاختلاط بين الرجال والنساء في ميادين العلم والتعليم -وهو المنشود للعصرانيين- حرام) وعلل ذلك بأنه يتضمن النظر الحرام والتبرج الحرام، والسفور الحرام، والخلوة الحرام، والكلام الحرام بين الرجال والنساء، وكل ذلك طريق إلى ما بعده) وتعجب لهذا التحريم الذي لا يستند إلى دليل، ولهذا التعليل الذي يتبعه، والذي يشمل منظومة من المحرمات لا يقوم على تحريمها دليل، أولها النظر، وفي مسألته تفصيل لابد أن يذكر، فالنظرة العابرة التي لا يقصد بها التشهي، والتي يفرضها اللقاء المفاجئ وليس فيها التعمد حتما ليست محرمة، لأن التحريم من باب سد الذرائع، والوسيلة لا تحرم إلا إن قادت إلى المحرم يقينا، وفي أن تقود إليه في الغالب اختلاف، فاطلاق التحريم عليه لا يصلح في هذا المقام تعليلا لتحريم غيره، كما أنه لا يلزم من تواجد الرجال والنساء معا في موقع عمل او تلقي علم أن تأتي إليه النساء متبرجات، مع أن معنى التبرج يحتاج إلى ضبط حتى لا يعتبر المباح حراما، فليس من الضرورة في لقاء الرجال بالنساء لشأن من الشؤون المشروعة ان تكشف النساء من أجسادهن ما أمر الله بستره، والوجه والكفان وظاهر القدمين ليس مما يجب ستره عند الجمهور، والسفور لابد من تحديد معناه، فإن كان المراد منه ان تكشف المرأة عن وجهها ففيه خلاف مشهور، والخلوة لا يمكن تصورها مع وجود الأعداد المتكاثرة من النساء والرجال في مكان معا، فلا يتصور أن تحدث في مكان عام يتواجد فيه الرجال والنساء معا لتلقي علم أو القيام بعمل، والكلام بين الرجل والمرأة فيما هو جاد لأداء عمل او تلقي علم لا يحرم ابداً، وتصور كل حديث بين امرأة ورجل انما هو حديث عن خنا مبالغة في سوء الظن بالخلق لا مبرر له، وان حرم من الكلام شيء بينهما فانما هو ما أدى الى الحرام يقيناً، واذا سقط التعليل سقط الحكم باتهام من لا يرى بأساً في تواجد الرجال والنساء معاً في مكان عام يقضون فيه حوائج دينهم ودنياهم، بأنه عصراني وهمزه ولمزه بأنه داع الى اختلاط يوصف بأنه محرم، لأنه تصنيف مذموم منهي عنه شرعاً وعقلاً، فهو تنابز بالالقاب يكرهه الله، والأشد والانكى ان يتهم بأن (له نزعة الى حياة الغرب الكافر، لأن عقله مستغرب، ويريد تغريب الأمة، بل ويريد فرض هذا التغريب) والغرب ليس كله كافراً، وحياة الناس فيه كثير منها لا علاقة لها بدينه، والناس فيه فيهم أمانة وصدق، وصفات لا عد لها ولا حصر مما يتفق وقيم الاسلام، حتى قال أحد مفكرينا: أنه رأى فيه اسلاماً ولم يرَ مسلمين، ورأى في شرقنا مسلمين ولم يرَ اسلاماً، والنزعة لاكتساب ذلك كله لا تعني كفراً، وفي الغرب من نواحي التقدم المعنوي والمادي ما نحن في أمس الحاجة اليه، وكلمة التغريب اصبحت مشجباً يعلق عليها الكثيرون معارضتهم لكل خطوة تبذل للنهوض بالامة وتحقيق الارتقاء لشأنها، لنزعة فيهم الى الجمود على ما كان في الماضي وان لم يكن له علاقة بالاسلام حقيقة، ثم يمضي الشيخ -عفا الله عني وعنه- في القول بأحكام متعجلة لا يسوق عليها دليلاً فيقول (ومن استحل الاختلاط وان أدى الى هذه المحرمات، فهو مستحل لهذه المحرمات، ومن استحلها فهو كافر، ومعنى ذلك أنه يصير مرتداً، فيعرَّف وتقام الحجة عليه فان رجع والا وجب قتله) وما اسرع الشيخ الى التكفير الذي يتبعه حكم بالردة يراق به دم، فهذه المحرمات التي ادعاها تعليلاً لحكمه الاول بحرمة الاختلاط قد سقطت كما مر، ومعلوم بداهة أن ليس كل محرم يلزم ان يكفر مستحله، خاصة اذا كان التحريم عن اجتهاد لا عن نص قاطع، ولم يكتفِ الشيخ بهذا حتى حكم على كل من رضي لابنته أو اخته أو زوجته العمل مع الرجال او تلقي العلم معهم انه قليل الغيرة على عرضه ثم فسر ذلك بأنه نوع من الدياثة، لانه رضي بنظر الرجال الاجانب اليها، وما اكثر من ناله شرر هذا الاعتداء من ابناء هذا الوطن الذين تعمل بعض نسائهم في المستشفيات، ثم ان حكمه الاول اقتضى ردة كل عالمنا الاسلامي الذي تعمل فيه النساء مع الرجال في الادارات والمصانع، ويتعلم فيه الفتيان مع الفتيات في المعاهد والجامعات انه ولا شك اسلوب لا مسؤول تجاه قضايا الامة في هذا العصر وبهذه الصورة المتعجلة بالتكفير ودعوى العقوبة بالقتل، نسأل الله لنا وللشيخ ان نُهدى الى الحق ونرزق اتباعه وان نصد عن الباطل ونرزق اجتنابه انه سميع مجيب.