هذا العنوان مقتبس من اسم كتاب مؤلف من قبل الأستاذ مصطفي نوري مدير عام قسم الهيدرولوجيا بوزارة الزراعة والمياه سابقا، وقد نُشر في عام 1983م، وقد لخص فيه الأستاذ نوري خلاصة ما قامت به الشركات الاستشارية التي قدمت دراسات عن الوضع المائي وتكويناته المختلفة في المملكة، ولعل من أبرز هذه الشركات: شركة أيطال كونسلت الإيطالية، وشركة سوغريا الفرنسية، وغيرها من الشركات التي بحثت في شتى مواضيع هذا العنصر الحيوي المهم. وبلغ ما صرف على تلك الدراسات الاستشارية في ذلك الحين (قبل أكثر من ثلاثة عقود) أكثر من 600 مليون ريال، وقد جمع الكتاب بين دفتيه العديد من الدراسات الهيدرولوجية والهيدروجيولوجية، ومن ضمن هذه الدراسات أيضا «وضع خطة وطنية للمياه». والسؤال المهم الذي يطرح نفسه: كيف نحقق ما نادي به الأستاذ النوري منذ ما يقرب من ثلاثة عقود من الزمن ولم يتحقق منه شيء (حسب علمنا) حتى كتابة هذه السطور؟! ونحن نشاطر الأستاذ النوري في وضع خطة وطنية للمياه في جميع أنحاء المملكة، بحيث تكون خطة شاملة تهتم بجميع أنواع المياه التقليدية والبديلة، ويبحث فيها عن: مصادر جديدة للمياه العذبة، اقتراح مواقع جديدة لإنشاء محطات تحلية على ساحلي البحر الأحمر والخليج العربي، الاهتمام بمعالجة المياه العادمة والاستفادة منها في مجال الزراعة التي تستهلك كميات كبيرة من المياه الجوفية العميقة، والتي يكون التعويض لخزاناتها قليلا جدا مقابل ما يسحب منها من كميات كبيرة تؤدي إلى انخفاض مناسيبها، ويمكن إلى نضوبها مستقبلا إذا لم يحسن الترشيد في وسائل استخدامها، تحويل النمط التقليدي لنظم الري الزراعي إلى مشاريع الري الحديثة التي تحافظ على كميات المياه، والترشيد فيها، لاسيما وأننا نعيش في نطاق حار جاف سرعان ما تتبدد المياه فيه عن طريق التبخر والنتح. وحتى نحقق المطلوب يجب أن يكون هناك رؤية واضحة حول دراسات مواضيع المياه – السطحية وتحت السطحية – في دولة محدودة المصادر والموارد المائية والتي يقدر ما يصل إليها من الأمطار حوالي ( 2 مليار متر مكعب سنويا) وهي كميات لا تكفي بأي حال من الأحوال في سد العجز الواضح للميزانية المائية في المملكة، والتي تعتمد وإلى حد كبير على تحلية مياه البحر(كمورد رئيس)، وما تحويه مياه الآبار الجوفية العميقة من مياه قد لا تفي بالقدر المطلوب على المدى البعيد (في السنوات المقبلة)، إذا لم يحسن استغلالها بالشكل المطلوب. فهل وضعنا خطة وطنية شاملة للمياه، يبحث فيها أحوال المياه في بلادنا؟ هل نفذنا ما جاءت به الخطط الخمسية الطموحة من توصيات وأهداف من الخطة (الرابعة حتى الثامنة) حول مواضيع المياه؟ وكيف سيكون الوضع المائي في المملكة بعد عشر سنوات من الآن (1440ه). إذن ما المطلوب منّا للنهوض بمواضيع المياه وإعطائها الأولوية في حياتنا؟ ولعل الإجابة على هذا السؤال قد تكون صعبة ومتشعبة ولكن يجب البدء في هذا الموضوع الذي يشغل بال الكثيرين لأنه يعتبر جوهريا، وحيويا، ومهم جدا في حياتنا جميعا، والذي إذا لم نأخذ بدراساته بجدية بالغة من الآن فسوف نأسف عليه مستقبلا لا سمح الله، وحتى نحقق المطلوب يجب فعل الآتي: 1- تفعيل دور مراكز أبحث المياه في جامعات المملكة ودعمها ماديا ولوجستيا بشكل كاف حتى تؤدي دورها المناط بها على أكمل وجه، 2- البدء فورا في عمل الأبحاث المتعلقة بمشاريع الخزن الاستراتيجي للمياه في جميع أنحاء المملكة، 3- الاستفادة القصوى من المياه العادمة التي تذهب هدرا للبحر أو إلى مجاهل الصحراء فتزيد من نسب التلوث وتفاقم مشكلات البيئة وتؤثر في الصحة العامة بشكل كبير. ولعلنا نؤكد مرة أخرى على عمل الدراسات، ثم الدراسات لمواضيع المياه، وتشجيع البحث العلمي في إيجاد مصادر مائية بديلة، وإعطاؤها الأولوية في الدعم السخي الذي لن نندم عليه أبدا، والبحث عن أفكار جديدة رائدة تُخرجنا من مأزقنا الخطير الذي نعيشه في ظل عدم وفرة المياه العذبة، وصعوبة الوصول إلى مصادرها الطبيعية الرئيسة، وصعوبة الحصول على الكميات الكافية منها لمقابلة الطلب المتزايد عليها سواء من السكان، أو الزراعة، أو الصناعات، أو المنشآت، وغيره من النشاط البشري. لذلك سوف نناقش مواضيع المياه والاحتياجات المستقبلية لها على مدار الشهر القادم إن شاء الله لاسيما وأننا مقبلون على التذكير بيوم المياه العالمي الذي سوف يمر بنا بإذن الله في يوم 22 مارس 2010م من هذا العام، والذي يحتفل فيه العالم أجمع بهذا الحدث المهم جدا في حياة البشرية جمعاء وكائناتها المختلفة من إنسان وحيوان ونبات.. فسبحان الله الذي أكد على أهمية وعظمة « الماء» بقوله عزّ وجلّ « وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون» ألأنبياء 30، فالماء سر الحياة وإكسير ديمومتها وبدونه لا تستديم الحياة ولا التنمية، فوجوده مطلوب والحفاظ عليه أمر مرغوب حث عليه الشارع العظيم، وأكد عليه المصطفى – صلى الله عليه وسلم- ونبه إليه الكثيرون من العلماء العاملين وذلك في الحفاظ عليه وعدم الإسراف فيه. فهل نحن فاعلون؟!!