ينتابك شيء غريب وأنت ترى ذلك الطفل وهو يمسك بأداة حادة ليضعها على موقع معين من جسمه وبكل بساطة يحقن الإبرة التي تحمل مادة الإنسولين.. وبعدها يشعر بالأمان، وكم من الأطفال الذين كتب لهم القدر الإصابة بهذا الداء الذي استشرى واصبح يهدد المجتمع بكل فئاته ووصلت نسبته إلى رقم يصعب كتابته فضلا عن نطقه، فهو يعتبر من أكثر الأمراض شيوعا بل وهو يعد من أمراض العصر التي انتشرت كما يقول كثير من الخبراء في هذا المجال كنتيجة سلبية للمدنية الحديثة التي أصابتنا في نمط حياتنا اليومية وخاصة المترفين الذين لا يسألون عن الثمن حتى أصبح هذا الداء ينخر مثل السوس في العظام. ما جعلني اكتب هذه المقدمة تلك التظاهرة الخليجية الطبية في عروس البحر الأحمر جدة والتي نظمتها الشؤون الصحية بالحرس الوطني وتمثلت في المؤتمر العالمي الثالث للمجموعة الخليجية لدراسة داء السكري والذي شهد حفل افتتاحه سمو وكيل الحرس الوطني للقطاع الغربي الأمير الدكتور خالد بن فيصل بن تركي آل سعود بجهود معالي المدير العام التنفيذي للشؤون الصحية بالحرس الوطني الدكتور بندر بن عبدالمحسن القناوي ومعالي رئيس المجموعة الخليجية لدراسة داء السكري الدكتور عبدالرحمن الكواري، ورئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون الدكتور توفيق خوجه وكوكبة من المشاركين الذين أثروا هذا الجانب المهم خلال الفعاليات حتى تتوحد الجهود لأنها مسؤولية مشتركة ولتصل رسالة تعزيز الصحة، وبتلك الوثيقة التي خرج بها هذا الملتقى الطبي ستوضع الاستراتيجيات المنضبطة فقد نخر هذا المرض الخبيث القاتل في جسم الإنسان واستنزف الموارد المادية والبشرية. ولعلنا نعي ذلك وندرك حجم انتشار هذا المرض من كلمة رئيس الاتحاد الدولي للسكري الذي أوضح فيها أن داء السكري سوف يؤدي إلى قتل 4 ملايين شخص هذا العام، والمرض يصيب 285 مليون شخص حول العالم، وهذا العدد يتوقع أن يزداد إلى أكثر من 435 مليوناً بحلول 2030، ثم كرر إلى أن هذا سيستمر إذا بقي دون تدخل، وقال: في المملكة العربية السعودية فإن واحداً من كل ستة بالغين يعيشون بمرض السكري، ويوجد 60% يعانون من خطر الإصابة بالمرض، حيث تكمن وراء كل إحصائية من هذه الإحصائيات قصص إنسانية مروعة قصص للوفيات، وأناس يعانون من مضاعفات مريعة وأسر تفقد عوائلها ممن يكسبون رزق أبنائهم لأن هذا الداء أصبح بشكل كبير مسألة تنمية تهدد الصحة والرفاه الاقتصادي، ويتوقع الاتحاد الدولي للسكري أن المرض سوف يكلف الاقتصاد العالمي على الأقل 367 بليون دولار.. إلى متى سيجلس المجتمع دون حراك. الدكتور توفيق خوجه رئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون حدد نقطة غاية في الأهمية حين قال: إن أهمية هذا المرض لا تنبع من كونه منتشراً بصورة وبائية في المجتمع الخليجي، ولكن لارتفاع نسبة الإصابة بمضاعفاته المزمنة وهو ما رفع التكاليف الإجمالية لهذا الداء على المستوى الوطني ولكن في هذا التجمع الطبي خرج إعلان جدة كمنعطف لهذه القضية الطبية بل يعتبر هذا المؤتمر محوراً لبذل الجهود وتحدياً لوضع استراتيجية وقائية لوقف زحف هذا الحلو المر. في النهاية إن هذا الملتقى الذي عقد في عروس البحر الأحمر كان نموذجياً رائعاً بكل من شارك وساهم فيه، فطالما تفضلت مملكتنا الحبيبة بتبني مثل هذه القضايا الهامة والحيوية والتي تنبع من التفهم الكبير لعظم المسؤولية التي تحملها لتحقيق أنبل الأهداف.