قال صاحبي أرأيت ما حدث في نادي الباحة الأدبي قبل أكثر من أسبوع حيث تحوّل نقاش فكري وحوار ثقافي عادي جداً إلى اتهام في الذمم وطعن في العقيدة واتهام مُرِجْف بالخروج عن الدين، قلت وذلك ليس ببعيد عما نشرته هذه الصحيفة بعدد الاثنين 24 صفر 1431ه عن معلم مادة الحديث لطلاب الصف الثاني المتوسط الذي أثار أزمة باستخدامه عبارات مثل: من أكثرهم حياء بين اللاعبين ومن هو المدرب الكافر وعبارة الحب في الله والبغض في الله. قال صاحبي وهل في ذلك تشابه بين الحالتين قلت إن هما إلا مثالان بسيطان مما يحدث في مجتمعنا وتنقله بعض وسائل الإعلام من لغة لا تعد استثناء، وإنما ما تزال مفرداتها شائعة في خطاب بعض المعلمين والمعلمات وكتّاب الصحف بل ومن يعتلون منابر الجمعة والأندية الأدبية، فمازالت عبارات التفسيق والتجريم بل التكفير سهلة الاستخدام سريعة الإطلاق رغم كل ما جره هذا التطرف الفكري من إرهاب فكري أدى الى إرهاب السلاح الذي عانى منه الوطن كثيراً. لا نبالغ إذا قلنا بأن فئة من الناس أصبحوا إزاء حالة من الاستسهال للاجتراء على عقيدة الناس وحرمات المسلمين وإطلاق ألقاب التفسيق والتكفير بكل سهولة ويسر لكل رأى مخالف أو فكر مغاير. هذا الاجتراء وجد في أجواء حرية الإعلام أو التعليم مناخاً مواتياً، وأحياناً مظلة وحماية، فباسم الدين سمح البعض لأنفسهم بتجاوز الخطوط الحمراء وتجريح الآخرين واتهامهم في عقيدتهم. إننا ندرك أهمية التفرقة بين النقد الموضوعي والحوار الهادئ والنقاش الهادف الذي ينبغي أن نرحب به وأن يتسع الصدر له، وبين الاجتراء وإتهام الناس في عقيدتهم بحجة الدفاع عن الدين وهذا لعمري تطاول على ثوابت المجتمع والمقومات الأساسية للعيش الآمن والفرق بين الاثنين هو بالضبط الفرق بين الحوار والسب، والأول موقف إيجابي أياً كان اتجاهه، والثاني مسلك شائن بكل المقاييس ومهما كانت نوايا صاحبه. إن ما بدأ يظهر من وقت لآخر على السطح ويظهر لوسائل الإعلام من مؤشرات على فكر متطرف في التعليم أو الإعلام إنما هو لا ينال من عقيدة الناس وحسب، ولا ينتهك إيمان الأغلبية الساحقة من أبناء الوطن وحسب، وإنما هو يسعى – في قصد أو غير قصد – الى تقويض أحد المقومات الأساسية للمجتمع السعيد الرشيد الذي وضع أسسه موحد هذا الوطن الغالي المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وبناه على أساس متين من العقيدة الصافية والحق والعدل ولم يحدث ما نراه في الآونة الأخيرة من إتهام مباشر في العقيدة وفي ذلك محاولة تخريب للدين والدنيا في آن واحد، ولئن كان للدين رب يحميه، وما شادّ الدين أحد إلا غلبه، فإن من حقنا وواجب العقلاء أن نهب دفاعاً عن ثوابت مجتمعنا ومصالحه العليا ومكتسباته الحضارية ومواجهة هذا الفكر الخفي المترسخ في بعض المنتسبين للتعليم والإعلام وغيرها من حقول العمل، ونسأل بكل براءة فإننا لا نكاد نرى فائدة أو مصلحة للإسلام في التفريق بين زوجين بحجة عدم تكافؤ النسب، أو إتهام عقيدة أحد من المواطنين، ولا في تطليقه من زوجته أو توظيف عبارات الكفر والردة والبغض والحب في الله في ذهن طالب الصف الثاني المتوسط الذي لم يتجاوز عمره الثانية عشرة أو الثالثة عشرة. بمعنى آخر نحن ضد محاكمة عقائد الناس من حيث المبدأ باعتبار أن ذلك مدخل لشرور كثيرة تستدعي الى الأذهان صفحات قاتمة من تاريخ العصور الوسطى، تدعو الى زعزعة مجتمع آمن مسالم عاش عقوداً من الاستقرار بعيداً عن العنصرية والتمييز. إن الصراع الفكري ينبغي أن لا يحسم في ساحات القضاء وإنما في منابر الحوار الهادئ وليس قاعات المحاكم. ولا نريد أن نواجه ذلك الخيار المحزن الذي تغلق في ظله منابر الحوار أو أن تعجز عن استيعاب الآراء المتباينة فيبقى القضاء خياراً سلمياً وحيداً وإلا أدى ذلك للعنف وسيلة لحسم الصراع الفكري أو الثقافي لا سمح الله. * رسالة: إننا نعيش عصراً ذهبياً راقياً من الإصلاح الفكري في عهد ملك الإنسانية الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه- الله ورعاه ولابد من الانتباه لغلاة الفكر فقد ثبت أنهم يفسدون ولا يصلحون ويقطعون ولا يصلون ويجب ان يبقى صوت الاعتدال عالياً.