كنت أتحدث عبر الهاتف عن أخبار الفن التشكيلي محور اهتمامي ومن أهاتفه آنذاك، وسبرنا كثيرًا من البحار والقفار كما يقول الرواة وما تناقلته حكايات سالف الزمان الذي مضى وكان، وفي برهة توقفت عن الحديث متأملاً وضعنا، وصاحبي يردد ألو.. ألو.. ألو .. انتبهت قائلاً: “نعم؛ معاك .. معاك ..” حتى لا يظن صاحبي والظن هنا حسن أو خير مع أنه في كثير من الأحوال سيء.. المهم إنني بادرته بقولي أترانا مسؤولين عما نحن نتحدث به الآن، قال نعم. قلت إذًا لنترك الحديث وننصرف إلى اللوحة أو العمل الفني الذي هو مسؤوليتي ومسؤوليتك وندع الحديث لمن هم أهله وننشغل بما هو أهم، إنه العمل الذي به نترك بصماتنا وأثرنا في الأجيال القادمة التي هي المسؤولة بالفرز والتقصي ووضع كل في مكانه الذي يستحقه.. فهم أقدر على البحث وسيكون لهم القول الفصل في من مروا من هنا أو هناك كما نحن اليوم نقول إن الفنان دافنشي أو المؤرخ الطبري أو العالم ابن خلدون أو من غيروا مسار التاريخ بعطاءاتهم ورسموا بل حفروا أسمائهم في ذاكرة التاريخ التي لا تحتفي ولا تجامل أحدًا قد حالفه الحظ أن يكون له صديقًا مجاملاً دوّن اسمه في ذيل القائمة الطويلة التي سجلها الرواد الأوائل عنوانًا بأحقيتهم بالريادة في سجل الحضارة التي لا تعنى بالكسول المشغول بإبداعات الآخرين لوكًا وشماتة وتندرًا في مجالسنا التي أصبحت غير مغلقة علينا فحسب بل للناس جميعًا، فصفحات الورق التي تطورت شكلاً إلى الإلكترونيات مع إننا لم نتغير فكرًا يواكب ذلك التطور في سلوكنا وإبداعنا نحو أنفسنا أولاً من باب اللهم ارحمني أولا ثم والدي وللمسلمين. أحبتي وصديقي الذي أثار هذا الموضوع عبر مهاتفته المحفزة لكتابة ذلك بقوله اكتب ذلك فاستجاب القلب ثم كانت هذه الحرف فشكرًا لمن كان معينًا على العمل فيما هو أهم من القول بلا عمل مع انه إذا جاء العمل موافقًا للقول فمرحبًا. إخوتي التشكيليين لم يعد هناك جدوى من الحديث في المجالس ونحوها من مجالس ألنت.. فكفانا ضياعًا للوقت فالزمن يعدو سريعًا، فالكيّس من كسبه واستثمره فيما يعود علية بالنفع اليوم وغدا. رأيت إن كثيرًا ممن ليس لهم علاقة بمدارس الفن ولم يتخرج منها بل تخصصاتهم لم تكن قريبة منه وقد دخلوا مجال التجريب الذي لا يمنع أحدًا من حقه الطبيعي فيه وحققوا حضورا لافتًا على المستوي المحلي والدولي. ولم يركنوا إلى أنهم من خريجي الجامعة الفلانية أو الأكاديمية العلانية. فالفن ليس بالشهادة وإن كانت معينة لكنها لا تكفي، والركون إليها يجعل الآخرين يمرون متجاوزين ولن يلتفت إليك التاريخ وأنت تراوح مكانك. بالعمل والعمل وحدة تحقق ذاتك وتعبر إلى الآخر.. فهلا عملنا ونترك الحديث الذي يفوت علينا فرصًا نحن بأمس الحاجة إليها.. إنها ثوانٍ.