تعد المتاحف المنتشرة في مناطق المملكة، والمواقع الأثرية والتاريخية هي المرايا العاكسة لحضارات إنسان الجزيرة العربية بجميع المناطق وبكل أبعادها ومظاهرها، وهي المجال الخصب للجيل الجديد والشباب لاستعراض هذا الماضي المجيد، وبالتالي تعد منبعا رئيسا في ترسيخ مفهوم الإرث الثقافي والتاريخي في نفوسهم وعقولهم، ومنها أيضاً يتعرف الجيل الحاضر على ما عاناه آباؤهم من مصاعب وكيف أنهم استطاعوا التغلب عليها بعزيمتهم وإصرارهم وتمسكهم بدينهم ومبادئهم. ومن أجل هذا المفهوم الشامل عن الانتماء الثقافي والحضاري دعا عدد من الأكاديميين والمهتمين وأصحاب الاختصاص في الآثار إلى ضرورة تعريف الطلاب بالآثار الموجودة في بلادهم، وإكسابهم الثقافة العميقة والعلمية لكيفية التعامل معها واحترامها والحفاظ عليها كهوية وطنية، وكتراث إنساني يجب الحفاظ عليه للأجيال القادمة. وعي ثقافي بداية يقول عبدالحميد الحشاش مدير متحف الدمام الإقليمي عن نشر الوعي بأهمية الآثار بين الشباب: إن الهيئة العامة للسياحة والآثار قد تبنت برامج ثقافية وتربوية وتعليمية مثل برامج «ابتسم» و«السياحة تثري» و«لا تترك أثرا»، وهي كلها برامج تغرس مفاهيم الوعي الثقافي السياحي والمحافظة على الآثار والتراث والبيئة وغيرها، إلا أننا بحاجة إلى استمرار دعم وتفاعل الجهات المعنية كوزارة التربية والتعليم والجامعات في زيادة تنشيط وتكثيف الزيارات للطلاب للمعالم والمواقع الأثرية والتاريخية والتراثية وللمتاحف العامة والخاصة المنتشرة في ربوع مملكتنا، وكذلك للمهرجانات الثقافية السنوية التي تقيمها الدولة كمهرجان الجنادرية الثقافي والمهرجانات المحلية للمناطق، وذلك لتعريف أبنائنا الطلاب بهذا الإرث الثقافي والتاريخي والتراثي عن قرب، وكيفية المحافظة عليه بعدم التعدي عليه أو تشويهه وأن تكون هذه المعالم بجميع أنواعها والمتاحف منارات وصروحاً علمية وثقافية تخدم جميع الأجيال المستقبلية. ثقافة المتاحف وعن دور المتاحف وأهميتها يقول الدكتور سمير زهر الليالي أستاذ مساعد قسم العمارة في جامعة الملك فيصل: إن المجتمع بشكل عام يفتقد إلى ثقافة متاحف الآثار. ويفتقد طلاب المدارس والجامعات بشكل خاص تلك الثقافة، فللأسف تجد معظم المدارس تهتم بتنظيم رحلات ترفيهية للملاهي وبعض المحلات التجارية. ويهملون الرحلات الهادفة مثل زيارة المتاحف والأماكن الأثرية التي تعود بالفائدة والنفع على الطلاب، ومثل هذه الزيارات تربط هذا الشباب بماضيهم، وهناك عمل يجب القيام به من الجهات المعنية مثل الهيئة العامة للسياحة والآثار، فمطلوب منها عمل نشرات توعوية تبرز من خلالها الأماكن الأثرية وتعريف الناس بمواقع المتاحف، وعلى الهيئة كذلك عمل مسابقات خاصة في تصوير المواقع الأثرية لطلاب المدارس والجامعات من أجل تشجيعهم على زيارة تلك الأماكن والتعرف عليها، ويجب أن يكون هناك تنسيق بهذا الخصوص بين الهيئة ووزارة التربية والتعليم من جهة وبين الهيئة ووزارة التعليم العالي من جهة أخرى؛ بمعنى أنه يجب تكاتف جميع الأطراف للوصول إلى الهدف المنشود. مناهج الآثار وترى الدكتورة غادة فهمي أستاذ في جامعة الملك فيصل بالدمام، أنه لا بد من زيادة الاهتمام بالمتاحف والآثار وتوعية الشباب بأهميتها، وتقول: إن هذا الموضوع مهم للغاية لأنه يمثل تاريخ وحضارة المملكة وبحكم خبرتي واهتمامي فيما يتعلق بالمتاحف والآثار وجدت أنه لا يوجد أي اهتمام بهذا الجانب، خصوصاً من قبل الطلاب في المرحلة الجامعية، علماً بأن بعض الطلاب يقوم بعمل مشروع تخرج عن موقع أثري يهتم بهذا المشروع، لكن للأسف بمجرد تخرجه من الجامعة يضعه في الدرج ولا يكلف نفسه تسويق هذا المشروع، وهناك أشخاص لديهم معتقد ديني بأنه لا يجوز زيارة المواقع الأثرية، ومن وجهة نظري أنه لا بد من إدخال مناهج خاصة بالآثار وتعريف النشء بأهمية المواقع الأثرية والمتاحف، بشرط أن تكون هذه المناهج بدون اختبارات ومحببة للطلاب، وعمل برامج توعوية وإنشاء مواقع في الشبكة العنكبوتية مخصصة لكل ما يتعلق بالآثار والمتاحف، كما أنه يجب فتح أقسام أو كليات في الجامعات خاصة بالآثار وعمل مسابقات للرسم وتصوير المواقع الأثرية للطلاب في جميع المراحل لربطهم بهذه المواقع. التثقيف الأسري وتؤكد هدى بنت غانم القحطاني، مسئولة إدارية بإحدى مدارس البنات في الخبر، أهمية دور الأسرة في تثقيف أبنائها، وتعريفهم بأهمية المتاحف ودورها وأهمية الآثار، فتقول: قد تجد القليل من الأسر تقوم بزيارة المتاحف مع أبنائها, مع العلم أن هناك موضوعات في كتب المطالعة للطالبات تعرفهم ببعض المواقع كمدائن صالح أو الأخدود أو مسجد الخليفة عمر بن الخطاب.. وتتفاعل الطالبات معها ويبحثن في الشبكة العنكبوتية ويحضرن صوراً رائعة جداً، لكن كما أسلفت نفتقر جداً لزيارة المتاحف، وبصراحة أكثر ليس هناك دور جماعي ملحوظ في نشر هذا الوعي بين الطلاب في كل المراحل، قد يكون هناك جهد فردي، لكن هذا لا يكفي. دور الوزارات ويشير التربوي عبدالله الغامدي مدير إحدى المدارس في الدمام إلى أن هناك فجوة في عملية ترسيخ الهوية الوطنية وحب الانتماء لهذه الأرض المقدسة، سببها عدم وجود البرامج المقدمة للنشء في ترسيخ هذه المفاهيم، وذلك ينعكس جلياً في كثير من الممارسات السيئة لهؤلاء المراهقين مثل عدم المحافظة على المرافق العامة والمواقع الأثرية، وهناك دور كبير ومفقود لوزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي وهو تنظيم رحلات لتلك المواقع، ومطلوب من الوزارتين وضع برامج ضمن المناهج لزرع هذه المفاهيم والقيم في نفوس الطلاب منذ الصغر .