طالب رؤساء جمعيات خيرية وناشطون في الخدمات الاجتماعية بتدخل الدولة لإقرار 10 في المائة من صافي أرباح البنوك السعودية سنوياً لتمويل ودعم البرامج الموجهة لخدمة المجتمع أسوة بما أقره أخيراً مجلس الوزراء بتخصيص 10 في المائة من رسوم التصاديق في الغرف التجارية لصالح جمعية حماية المستهلك خاصة وأن معظم هذه البنوك هي عبارة عن شركات مساهمة عامة مملوكة لشريحة كبيرة من المواطنين إضافة إلى أن الأرباح الخيالية التي تحققها هي في الاساس من أموال المواطنين والمقيمين المودعة لديها، والتي تقوم بتشغيلها في مشروعات داخلية وخارجية في حين أن معظم المودعين لا يحصلون على فوائد ربوية على حساباتهم البنكية بسبب حرمانية ذلك. وذكر الدكتور فؤاد بن أمين بوقري رئيس اللجنة التنفيذية للجمعية الوطنية للمتقاعدين بجدة ل «المدينة» بأن البنوك المحلية لا تتجاوب مع المشروعات الخيرية والاجتماعية التي تعرضها عليها الجمعيات إلا في حدود ضيقة جداً لتحقيق الجانب الدعائي والإعلاني أمام أفراد المجتمع، والظهور أمام المسؤولين وولاة الأمر بأنها حريصة على دعم الجمعيات الخيرية وبرامج المسؤولية الاجتماعية، وبالتمعن فيما تقدمه هذه البنوك في هذا المجال مقارنة بما تحققه من أرباح خيالية نجد بأن ما تقدمه هو عبارة عن جزء بسيط جداً لدرجة أنه لا يستحق الذكر مع أنها تحقق تلك الأرباح الضخمة من أموال المواطنين والمقيمين المودعة لديها. وقال الدكتور بوقري :إن هذا الموضوع أثير إعلامياً عدة مرات على مدى السنوات الماضية ولكن للأسف بدون جدوى، وأثبتت الأيام بأن البنوك لا تقوم بدورها في دعم برامج المسؤولية الاجتماعية والجمعيات الخيرية بشكل يليق بما تحققه من أرباح ضخمة من أفراد هذا المجتمع إلا بالإلزام من خلال صدور قرار من مجلس الوزراء أسوة بالقرار الذي صدر بتخصيص 10 في المائة من رسوم التصاديق في الغرف التجارية لصالح جمعية حماية المستهلك، ولعل أقرب مثال حي يؤكد ما ذكر وعايشه الجميع قبل شهرين تقريباً الكارثة التي حلت بأهالي جدة من جراء السيول التي اجتاحت أحياء في شرق وجنوب جدة. وأضاف بوقري: إن ديننا الإسلامي الحنيف يحثنا على الوقوف مادياً ومعنوياً إلى جانب الضعفاء والفقراء والمساكين والأيتام والأرامل، وكبار السن، والمعاقين.. وغيرهم من المحتاجين إلا أن البنوك المحلية لم تلتفت إلى ذلك، وهمها الوحيد في الدعم المحدود جداً للمشروعات الخاصة بهذه الفئات للدعاية والإعلان والوجاهة فقط مع أن نظيراتها في الدول المتقدمة تقدم الكثير من المشروعات سنوياً من خلال انشاء مشروعات تعليمية وصحية وخدمية لتحسين مستوى المعيشة لابناء مجتمعاتهم الى جانب المشروعات الحكومية الاخرى التي تحقق نفس الاهداف نظراً لأن البنوك في الدول المتقدمة لديها الايمان الكامل بأن دور القطاع الخاص مكمل للدور الذي تقوم به الحكومات. واشار بوقري الى ان الحكومات الغربية تشجع البنوك العاملة في بلادها على دعم وتمويل برامج الخدمة الاجتماعية من خلال خصم ما تقدمه من تبرعات من مبالغ الضرائب المستحقة عليها للدولة، وقد علمت بأن هناك دراسة في هذا الاتجاه سيتم تطبيقها بعد اعتمادها من الجهات العليا في المملكة حيث سيتم خصم المبالغ التي تقدمها البنوك والقطاع الخاص عموماً الى الجمعيات الخيرية وبرامج الخدمة الاجتماعية من مبالغ الزكاة المستحقة على تلك الجهات وهذا ان حصل سيشكل دعماً قوياً للاعمال الخيرية والاجتماعية في البلاد، وسيوطد العلاقات بين الجمعيات الخيرية والمنشآت الخاصة. واكد الدكتور عثمان عبده هاشم مدير مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للاطفال المعوقين بجدة بأن البنوك لا تقدم الا القليل للجمعيات الخيرية وبرامج المسؤولية الاجتماعية لانها لا تدرك بأن ذلك واجب عليها تجاه المجتمع الذي تحقق من خلاله ارباحا طائلة بل تعتبر ما تقدمه اختياريا وليس الزامياً وهنا تكمن المشكلة لذلك فإننا نجد المبالغ المخصصة لهذا الاتجاه محدودة جداً مقارنة بالارباح الكبيرة التي تحققها البنوك سنوياً حيث لا يتجاوز 0.10 في المائة من صافي الارباح المحققة، وهذا هو السبب الرئيسي وراء تعطل الكثير من برامج الخدمة الاجتماعية ومعاناة الجمعيات الخيرية من نقص في السيولة النقدية المتوفرة لديها. واتفق الدكتور هاشم مع ما ذكره الدكتور بوقري في ضرورة تدخل الحكومة لالزام البنوك بصفة خاصة والشركات التي تحقق ارباحاً طائلة من خلال ابناء هذا المجتمع مثل شركات الاتصالات العاملة في السوق المحلية على تخصيص نسبة محددة من الارباح السنوية لدعم وتمويل المشاريع الخيرية والاجتماعية اسوة بما صدر عن مجلس الوزراء بتخصيص 10 في المائة من رسوم التصاديق في الغرف التجارية لصالح جمعية حماية المستهلك نظراً لأن البنوك اثبتت خلال السنوات الماضية بأن مساهماتها في هذا المجال ستظل محدودة طالما ظل هذا الامر اختيارياً، واذا اردنا تفعيل دور البنوك والشركات في العمل الخيري والاجتماعي يجب ان يكون ذلك من خلال اصدار قرار من الجهات العليا. وحدد هاشم المشكلة بأنها تتعلق في المفاهيم السائدة عن العمل الخيري والاجتماعي حيث تعتقد البنوك بأن ذلك من مهام الجهات الحكومية فقط وهي ليس معنية بهذا الامر اطلاقا الا اذا رغبت هي من تلقاء نفسها وهذا غير صحيح البتة الآن لأن الدولة تقدم خدمات اجتماعية وخيرية للمواطنين ولكن جميع الحكومات في العالم لا تستطيع تغطية احتياجات كل مواطنيها، والقطاع الخاص ملزم بأن يكون مكملاً للدور الذي تقوم به الجهات الحكومية وهذا مطبق بالفعل في الدول المتقدمة لأن البنوك هناك تدرك بأن ما تحققه من أرباح ضخمة هو ناتج عن تفاعل من أبناء المجتمع تجاه المنتجات والخدمات التي تقدمها، فإذا أحجم المجتمع عن استهلاك سلعة محددة فإن مصير الجهة المنتجة الإفلاس بالتأكيد. ووصف هاشم دور البنوك في الدول الغربية بأنه مهم ومؤثر في المجتمع حيث تتبنى انشاء الجامعات والكليات والمعاهد الكلية.. وغيرها من المشروعات التنموية في حين دور البنوك في المملكة يقتصر على تمويل مشروعات صغيرة ومحدودة، وبالرغم من ذلك فإنها تلجأ إلى تضخيم وإظهار هذه المساهمات على أنها ستحدث نقلة كمية ونوعية في تحسين الحياة المعيشية من خلال اعداد حملات دعائية وإعلانية في وسائل اعلامية مختلفة لذلك فإن على مجالس إدارات البنوك إعادة النظر في نوعية وكمية المشروعات الخيرية والاجتماعية التي يدعمونها، وقد يكون من المناسب توجيهها إلى مشروعات كبيرة للصيانة والتطوير التي تحتاجه بعض الجهات الخدمية. وناشد المستشار القانوني الدكتور عمر الخولي وهو عضو لجمعيات حماية الاسرة، ومساندة المرأة، وحماية الطفولة، الجهات الحكومية بسرعة التدخل لإلزام البنوك بالقيام بدورها تجاه المجتمع خاصة وأن هناك قناعة تولدت لدى الجميع خلال السنوات الماضية بأن البنوك لن تقوم بدورها تجاه المجتمع طواعية، وأصبح هذا الأمر بحاجة ماسة لتدخل الدولة لإصدار تشريع ملزم للبنوك نظرا لأن ما تحققه من أرباح سنوية هو من عوائد المواطنين والمقيمين الموجودة لديها حيث ان غالبية المودعين لا يحصلون على فوائد ربوية بسبب رغبتهم في البعد عن الشبهات، وهذا ما يعزز من ربحية هذه البنوك. وذكر الدكتور الخولي بأن البنوك تتجاهل الكثير من طلبات الدعم والتمويل لمشروعات خيرية وبرامج للمسؤولية الاجتماعية مقدمة من الجمعيات الخيرية، وهي لا تكترث بما يحدث من نتائج سلبية على أفراد المجتمع بسبب التمادي في ذلك الاحجام الأمر الذي ادى الى زيادة الاعباء الملقاة على الجمعيات لدرجة ان بعضها اصبحت غير قادرة على دفع رواتب موظفيها، وفي المقابل تزايدت اعداد الحالات التي تحتاج الى مساعدات مالية او معنوية لذلك فإن الامر يحتاج الى تدخل سريع من الجهات الحكومية لتوجيه البنوك للقيام بواجباتها تجاه المجتمع. وتعتقد الناشطة الاجتماعية غادة عباس غزاوي عضو الجمعية الخيرية النسائية بأن افضل وسيلة للارتقاء بمفاهيم المسؤولية الاجتماعية في المجتمع السعودي هي استحداث مواد حرة في الجامعات عن المسؤولية الاجتماعية بهدف زيادة الوعي بأهمية برامج خدمة المجتمع نظرا لأن البنوك لا زالت تعتقد حتى الآن بأن دعم وتمويل هذه البرامج اختياري وليس الزاميا وهذا الاعتقاد سائد ايضا لدى الكثير من رجال الاعمال والمسؤولين في القطاع الخاص في حين ان نظرة الناس في الدول المتقدمة لدعم وتمويل برامج المسؤولية الاجتماعية هي عكس ذلك تماما ولذلك فإن البنوك في الخارج تصرف بسخاء على المشروعات الخيرية والاجتماعية. وذكرت غزاوي بان المشكلة ان هناك خلطا بين الزكاة التي تدفعها البنوك لمصلحة الزكاة والدخل سنوياً، وبين برامج المسؤولية الاجتماعية حيث تعتقد البنوك المحلية بأن مجرد سدادها للزكاة المستحقة عليها فهي قامت بالواجبات التي من المفترض ان تقوم بها تجاه المجتمع.. مشيرة إلى انها تعاني من إجراءات روتينية معقدة ومماطلات عدة من البنوك عند التقدم بطلب لدعم وتمويل مشروع خيري أو اجتماعي، وغالباً ما يكون الرد بالرفض لذلك فإن التدخل الحكومي مطلوب لحسم هذه القضية التي تم بحثها عدة مرات من سنوات طويلة، وللأسف حتى الآن لم يتم التوصل إلى حل منصف لأبناء المجتمع. ورد رجل الاعمال إبراهيم بن عبدالله السبيعي عضو مجلس إدارة بنك البلاد على مطالب رؤساء الجمعيات الخيرية والناشطين في الخدمات الاجتماعية بقوله: ان البنوك تقدم الدعم المادي والمعنوي للجمعيات الخيرية وبرامج المسؤولية الاجتماعية بنسب متفاوتة حسب الارباح السنوية المحققة، وهناك بعض البنوك نشطة في هذا المجال، ولديها إدارات متخصصة لذلك، ولا ننسى ان بنوكاً أخرى حققت خسائر خاصة في نتائج الربع الرابع التي أعلنت الأسبوع الماضي الا انه وبالرغم من كل ما قامت به البنوك خلال السنوات الماضية فان الوضع يستدعي مضاعفة الجهد وتقديم المزيد. وتابع السبيعي بأنه يعتقد ان ما تقدمه البنوك لدعم وتمويل المشروعات الخيرية والاجتماعية لا يتجاوز 0.1 في المائة مما تحققه من ارباح سنوية الا ان هناك بعض الضوابط والتعليمات الرسمية التي طرأت بعد احداث 11 سبتمبر جعلت البنوك تتخوف من التبرع للاعمال الخيرية كما ان الأزمة الاقتصادية العالمية أدخلت البنوك في دائرة الحذر والتحوط وترشيد المصروفات في الكثير من المجالات من ضمنها ما يخص برامج خدمة المجتمع. ويرى الدكتور عبدالرحمن بن إبراهيم الحميد رئيس اللجنة الزكوية الضريبية المنبثقة من مجلس الوزراء العلاقة بين البنوك والجمعيات الخيرية يجب ان تقوم على المصالح المتبادلة، وعلينا ان نفكر بفكر رجال الاعمال الذي يعتمد على تحقيق المصالح، وهذا هو الموجود في الغرب لذلك فان العلاقة بين البنوك والجمعيات الخيرية قوية نظراً لان البنوك تقوم بدعم وتمويل الاعمال الخيرية والاجتماعية هناك لكسب الأصوات عند التصويت على اية أنظمة أو قوانين جديدة قد تلحق اضراراً أو خسائر مادية بالبنوك.. مشيراً إلى اننا في المملكة بحاجة إلى سن تشريع جديد لاستقطاع نسبة محددة من ارباح البنوك السنوية لصالح تمويل برامج خدمة المجتمع، ويجب ان يتم ذلك على كل الشركات المساهمة التي تحقق ارباحاً كبيرة مثل الاتصالات وسابك.