نظراً لأنَّ القَلم مُهتَم بدراسة السّياقات والمَلفوظات، والعبارات والأنسَاق، والرّموز والإشارَات، فإنَّه سيَستعرض شيئاً ممَّا تَيسَّر مِن مُفردات «الزَّحلقة»، التي يَلوكها الكثير مِن النَّاس، حين تَطلب مِن أحدهم خدمة، أو «تستفزعه» -أي تَطلب فَزعته- في أمر ما! وحتَّى لا يَكون الكلام في صَحراء العموم، التي تَلفحها رياح السّموم، سنُخصِّص العَام ونبعد الهَوَاجس والأوهام.. وأوّل كَلمة تُقابلك عندما تَطلب مِن شَخص خِدمة، يُبادرك قَائلاً: «لا يهمك.. وَكّل الله»، أمَّا إذا كَان مِمَّن يَتعاطون المَلافظ السَّعيدة، والكلمات الجديدة، فسيَقول لك: «ابشر بِسَعدك»، وهذه لا تَعني أكثر مِن مَقولة السّوريين «حطّه بالخرج»! ومِن السّياقات التي تَستلفت النَّظر، قول أحدهم عندما تَطلب منه خدمة جُملة: «انس الموضوع»، وهذه الجملة عبارة استثماريّة تَقع على شَارعين، فالعبارة –هنا- لها مَعنيان، مَعنى قَريب وهو الاهتمام بالأمر، وهذا غير مُراد، أمَّا المَعنى الآخر ل»انس الموضوع»؛ فهو أن تَنسى أنَّك طَلبت مِنه أن يُسدي إليك مَعروفاً! وهذه العبارة لها ابنة عَم شَبيهة بها، وهي قول أحدهم: «اعتبر الموضوع موضوعي»! أمَّا إذا كَان المُعتذر مِن روّاد الأغاني، ومِن حَفَظة أشعارها، فلن يَتردَّد في استخدام مَا يَحفظ، فمَتى طَلبتَ منه خِدمة، أَسْمَعَك أغنيّة راشد الماجد: «ابشر مِن عيوني الثنتين مِثلك تلبّى مَطاليبه»! والغريب في الأمر أنَّ العبارات الدِّينيّة أُقحمت في هذا الموضوع، فمَتى طَلبتَ مِن أحدهم خدمة قال لك: «وكّل الله»، ومَتى تَقاعس عَن خدمتك، وعَاتبته على ذلك، قال لك: «أنا قلت وكّل الله»! وهناك نوعٌ مِن التَّصريف، يعرفه أهل التَّأليف، وهذا النّوع مَصحوب بالصّوت والصّورة، حيثُ يَقول أحدهم عِندما تَطلب مِنه خدمة: «ازهل الأمر» ويضرب على صدره ثلاثاً! بقي القول: إنَّني سأرفع لكم شَكوى، طَلب منِّي أحد الأخوة اللبنانيين نَشرها، حيثُ يَقول في شَكواه: إنَّه أمضى رُبع قَرن في السّعوديّة، وها هو يُغادرها ولم يَفهم أربع جُمل مع أنَّه يَسمعها في اليوم 100 مرَّة، وهذه الجمل هي: «يصير خير»، و»يسهّل الله»، و»الله يقدّم اللي فيه الخير»، و»إن شاء الله».. فهذه الجُمل –كما يَرى شَقيقنا اللبناني- مَطَّاطة تَحتمل كُلّ المَعاني، بل تَحمل المَعنى ونَقيضه في آنٍ وَاحد! وأضاف اللبناني: تَصوّر يا أحمد أنَّني قُلت لرَجُل سَأشتكيك عَلى الشّرطة، فقال عَلى الفور «يصير خير»! بعد كُلّ هذا.. إذا سَألتموني هل نَقرأ هَذا المَقال؟!.. سأقول «انس الموضوع»!.