من الأسئلة التي مرّت عليّ في مشواري الفني وهي كثيرة، منها على سبيل المثال باللهجة الشعبية مع شديد الاعتذار للقارئ الكريم هي “كم قعدت وأنت ترسم هذه اللوحة؟”، و“كم سعر اللوحة هذه؟”.. تصوّر أخي العزيز من خلال تأمّلك لهذين السؤالين اللذين يشعرانك بعفوية السائل من جهة، وبُعده عن التأمّل الجمالي من جهة أخرى، لدرجة أنه يعطيك إحساسًا بأن السائل مادي، أي باحث عن القيمة المادية للعمل الفني، مع أنه لم يتأمّله ويتذوّقه من الناحية الجمالية التي منحت العمل تلك القيمة المادية “المالية”. أتساءل والسؤال مشروع للجميع؛ ألم تسمع بمثل هذه الأسئلة وأنت في تجلس في مجلس علقت فيه لوحة جلبت من خارج الوطن، بل وبسعر مغالى فيه ماديًا، مع خلوّه من القيمة المعنوية والفنية؛ كونه وبفخر جلبها صاحب الدار من الخارج! هذا إذا كان صاحب البيت ممّن يحسبون من الأثرياء الماديين لا الجماليين، أو ممّن لا تتسع ذائقته مقارنة بماله الذين يفاخر به الآخرين. كم سعر اللوحة؟! هذا السؤال يتردد فيما بين الفنانين من جهة، والمتلقين من جهة أخرى، خصوصًا إذا جر أحدهم وراءه عددًا من النفر الذين يحيطونه كالسوار بالمعصم، تراهم يدورون حوله تارة وتارة حول الفنان في حركة أشبه بحركة بندول الساعة القديمة قِدم ساعة “بج بن” الشهيرة، كل ذلك يشعرك بأنه -أي الشخصية التي أحاطوها بجل اهتمامهم جيئة وذهابًا وهم يمطرونك بالأمل- سيشترى المعرض كله. فتراك تتريّث في الإجابة عن السؤال ريثما يكمل جولته السريعة، ولسان حاله يردد: ما الذي أتي بي إلى هنا؟! قاتل الله المجاملة التي أوقعتني فيما إنا فيه الآن. فيلجأ إلى أقرب المحيطين به قائلاً: قل للفنان كم سعر اللوحة؟ وأصبعه يشير إلى أصغرها مقاسًا ظنًّا منه أنها قد تكون الأرخص في عقله المادي الذي خلا من الذائقة البصرية والسمعية التي لا يستفيد منها لعدم توفّر الوقت الكافي لديه في دأبه الباحث عن المال أينما كان، وفي أي زمان، هكذا هو حال كثير ممّن ابتلي وشغل عقله المال الآسر. أتساءل: هل سعر اللوحة طارد؟ قد يكون طاردًا! وذلك لأن البعض منّا -أي الممارسين للعمل الفني- بعضهم يغالي في السعر. وتعجب منه لعلمك أنه لم يتجاوز فترة التجريب المشروع.. هنا نقول السعر طارد للاقتناء للأعمال الفنية. لكنه لدى الفنان المجرّب والخبير تلمح أثره في تقنية العمل، وتعرف من تأمّلك، وخبرتك أن وراء منتج هذا العمل مبدعًا متمرسًا، وخبرة تستحق ما يوازي السعر الذي وضعه لعمله، “شوي على المتلقي”. تقول الحكمة: “بالصبر تبلغ ما تريد”.. أليس كذلك يا أحبابي الفنانين من شباب ومجرّبين.