كان الوجه شاحباً من التعب والإجهاد بعد مسيرة تحضير طويلة من قلب أوروبا حملته والمكافحين المدنيين في سبيل أطفال غزة إلى ميناء نويبع ومنها إلى العريش لكن مع ذلك لم يتغير خطابه وحماسه وتدفقه وحبه لفلسطين وولاؤه لقضايا العرب، وبقدر ما كانت الصدمة مروعة وقاسية وعنيفة التي وُوجه بها أولئك النبلاء الغربيون وحلفاؤهم من المهجر العربي الذين قادهم أبو زين الدين ( زين الدين اسم نجل جورج جالوي ) ليحملوا حليب أطفال فلسطين وأجهزة البخار لأطفال الربو من جحيم العدوان وسيارات الإسعاف وبعض الأدوية النادرة للحالات الصعبة في مشافي غزة بقدر ما كان صوت جالوي هادرًا بالحقيقة والوفاء والتضحية لأجل فلسطين وأهلها. غير أن المقطع الذي جاء في (احدى الفضائيات العربية) قبل أن تصطدم القافلة بالحواجز كان مُفحما لكل متراخ أو مشكك وهو محرجٌ لكل عربي موغل في عصر الوجدان أسى وألماً على ما آل إليه العرب وإجلالاً ومهابةً لأولئك الشقر الغربيين وخاصة للعظيم جورج جالوي، كان جورج يناشد قبل وصولهم إلى نويبع بعد تكريمهم في العقبة واحتفاء أهلها بهم كانت المناشدة قوية المعنى والتعبير يشعر بها المشاهد من وراء الفضاء... فنراه يقول فيها: إننا لا نريد إلا إغاثة أطفال غزة ولا نريد أن نواجه إلا إرهابيي إسرائيل نحن نحب العرب لا نريد أن توجه لهم أي إشارات تصرف النظر عن إسرائيل وجرائمها.. ثم سكت.. بعد أن استوقفه المذيع عن مشاعره وما سبق أن أشار إليه في خطبة أخيرة في لندن..في تلك اللحظة توقف التاريخ ليكتب عن جورج جالوي فقط وعن غزة.. ذهل الناس..من هذا الكم من المشاعر التي تقذف بجمر من هم القضية يحملها هذا الأشقر ويهجرها عشرات الملايين من العرب...وأول مرة استمعُ لمترجم الفضائية ينهار ويتهدج صوته...لم يستطع أن ينقل للعرب حديث هذا الانجليزي.. قال جورج لقد تقدم بي العمر وإنني لن ابلغ عهد تحرير فلسطين وكل ما أؤمله وارجو أن يدخل معكم ابني عز الدين لفلسطين وهي محررة ثم تربتون على كتفه مبتسمين تقولون يا زين الدين قد كان أبوك جورج بيننا كان معنا في نفس الطريق ولقد وصلنا يا عز الدين...ثم تنهد واستأنف..وقال لكنني حين يكبر ابني وأنا لا أزال حياً ثم يقرأ التاريخ وإذا به يصطدم من قصة شريط من الأرض اسمه غزة تواطأ العالم عليه حتى خُنق وسُحق أطفاله فإذا التفت إلي زين الدين وقال يا أبي هل أدركت هذا الزمن كيف تركتم غزة...؟ ألا يخجل العالم...؟..هنا قال جورج كلمته التي علمها الناس وشهدت بها الأرض ودمعت معه العيون...قال جورج سأقول له الله يعلم يا بني أنني لم اترك نَفَساً املكه لأجلهم إلا بذلته.. لعل زين الدين أن يغفر لي...أخي جورج جالوي.. توقفت هُنا لم اعد استطيع المواصلة غلب الدمع على الكلم وأنا استحي أن أقول لك شكراً..اشعر يا جورج أنها لا تكفي ولا أريد أن اسخر كعربي من نفسي..غالوي أيها الشهم الأبي تذكرتك عند حديث سيدي النبي عن المُطعم بن عدي*.. ولكنّي أُصلي لكم أخي لتكون إلينا اقرب..يا لله ما أعظمك يا رسول الله.. ألا ليت بعض أمتك.. يفقهون عظمة إنسانيتك.. * يشير الكاتب إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى ( أسرى بدر ) لتركتهم له..- وفاءً منه صلى الله عليه وسلم له يوم أجاره عند عودته من الطائف ونقضه لصحيفة حصار بني هاشم.