بناتنا.. زهرات مجتمعنا.. ثروتنا البشرية من اللآلئ المكنونة والجواهر النفيسة التي نحفظها في بيوتنا، ونخشى عليها من التلف والضياع، ولا نخرجها من خدورها من غير صحبتنا إلاّ إلى المكان الذي يساعدنا في الحفاظ عليها متلألئة برّاقة، ويُكمل ما نقص من عنايتنا بها بصقلها وتهذيبها وتلميعها كالمدارس، وما شابهها. هذه الثروة باتت مهدّدة بانطفاء اللمعان، وربما بالضياع؛ فما عادت بعض هذه اللآلئ تزين البيوت، وتعطّر أجواءها، بل انفرطت من عقودها الأسرية لتتبعثر هنا وهناك، منفردة حتى تُزيّن المراكز التجارية جنبًا إلى جنب مع معروضات الملابس وغيرها، بل أصبحن ينافسن البضائع المعروضة للبيع وعقود الأنوار الملونة، وإعلانات النيون التي تبهر الأنظار بطوابير العرض المجاني للأزياء، وفن التجميل المتمثلة في عباءاتهن المزركشة التي انحسرت عنها الطِّرح المزخرفة في دلال لتكشف عن وجوههن المبهرجة بمساحيق التجميل التي قد توضع في غفلة عن الرقيب في حمامات المراكز، بعد أن يغير بعضهن زي المدرسة إلى ملابس تظهر جمال قوامهن بضيقها، أو بعدم سترها ثم ينطلقن متباهيات في أروقة المراكز ليحللن بعد استعراض جمالهن متحلّقات حول مناضد المقاهي والكافتيريات يتساقين أضاحيك الحياة إلى جانب المشروبات الساخنة والباردة، ويتلقين أجر عروضهن المجانية عبارات إطراء أو غزل مبطن، وصريح من الجنس الآخر أو دعوات للتواصل الهاتفي، أو عن طريق الشبكة العنكبوتية، بل قد يشارك بعضهن البائعين في التجارة بتسهيل دخول الشبان إلى هذه المراكز التي مُنعوا عنها من غير عائلاتهم لقاء أجر نقدي معيّن، أو لقاء شرائهم بضائع معينة من السوق. إلى متى تظل هذه اللآلئ متنائرة في المراكز التجارية عُرضة للخطف والضياع، وانطفاء اللمعان؟ ومن المسؤول عن إعادة نظمها من جديد في عقدها الأسري قبل أن يتأبى جمعها على الأيدي؟ لا شك أن مسؤولية احتضان هذه الجواهر وتجنيبها كل ما يخدشها، ولمّ شتاتها تحت الرقابة المنضبطة هي مسؤولية المجتمع بأسره، والذي تكوّن هذه الجواهر لبناته، فضلاً عن مسؤولية الأب والأم اللذين يتحملان العبء الأكبر عليهما؛ إذ يقاسمهما في ذلك: شقائق الأسرة من دور التعليم التي تُطعّم تلك الجواهر بالقيم والفضائل الإسلامية إلى جانب العلم النافع، وأولو الأمر والقائمون على المراكز التجارية ممّن يملكون الحق والقدرة فيها على إصدار القرارات الضابطة للنظام والمحافظة على الفتيات حتى من أنفسهن، ومن كل ما يعرضهن للأذى والمهانة على غرار القرار المانع للشبان مثلاً من دخول هذه المراكز بغير عوائلهن؛ كإصدار أمر بوضع لافتات إرشادية عند مداخل المراكز التجارية وبوّاباتها وممراتها تحمل عبارات داعية إلى ضرورة الالتزام بالحجاب الساتر عند التسوق فيها للنساء بأساليب مؤثرة، وجاذبة في الوقت نفسه، ويمكن استغلال شاشات العرض الإعلانية المتحركة في ذلك، كما يمكن تعيين هيئة رقابية دعوية نسائية بالمراكز تضم شخصيات مدرّبة ومنتقاة على أساس اتّصافهن بقدر كبير من الوعي الديني في النصح والإرشاد، والتعامل الراقي مع الجمهور في الدعوة باتخاذ الأساليب الشفيقة الرفيقة الودودة في احتواء الفتيات المخالفات في اللباس والحجاب، ويمكن توفير هذه الشخصيات من خريجات أقسام الدعوة والدراسات الإسلامية الجامعية في ذلك بعد التدرّب عليه. ولعلنا بذلك ننتظم جماعات وأفرادًا في حملات نصرة نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام، الذي ما انفك يوصي بالقوارير حتى وفاته، ويُقوّي أمر الجماعة بأن يقيمها عينًا رقيبًا على الأفراد لتقويمهم وضبط سلوكهم كي لا يشذوا عنها.