قصة سبق وأن قرأتها برواية أخرى لكنها تتفق في النهاية مع سابقتها في أنها تحمل للقارئ مغزى أخلاقيا عميقا وتضع له نموذجا مثاليا قد لا نجد اليوم كثيراً بين أبناء الجيل الجديد يعطيه كثيرا من الاهتمام بل وقد يعتبره تضييعا لوقتهم الثمين الذي يقضونه فيما هو أجدى وأهم؟! أما قصتنا فتدور حول رغبة أحد مديري كبرى الشركات التجارية العملاقة في التخلي عن منصبه بعد عطاء طويل لإعطاء الفرصة للدماء الشابةالجديدة بإدارة شركته. ولم يرد أن يوكل هذه المهمة لأحد معين وقرر اتخاذ قرار مختلف يختار فيه الأكثر كفاءة لإدارة شركته العملاقة. وبالفعل جمع مدير الشركة العجوز كل الكفاءات الإدارية في مكتبه ووزع على كل منهم بذرة نباتية طلب منهم زرعها والقدوم بعد عام ليختار أفضل نبتة ليكون صاحبها رئيس الشركة الجديد. وبعد عام أتى الجميع ومع كل منهم أصيص زرع يحتوي على أحلى النباتات إلا واحدا منهم كان أصيصه فارغا إلا من تربة يابسة وفي الوقت الذي بدأ الرئيس في الكلام مشيدا بما رآه مهنئا الجميع على هذا النجاح الباهر الذي حققوه. توارى صاحب الأصيص الفارغ في آخر القاعة وراء زملائه المبتهجين الفرحين . ووسط ذهول الجميع اختار الرئيس صاحب الأصيص الفارغ رئيساً تنفيذياً جديداً للشركة؟! أما المفاجأة التي اكتشفها الجميع فهي أن البذور جميعها كانت عقيمة ولم يكن بالإمكان لها أن تنمو إطلاقا، وكان صاحب الأصيص الفارغ هو الوحيد الصادق والأمين والذي أعاد نفس البذرة التي أعطيت له كما هي؟! وهناك بالطبع أكثر من عبرة وراء هذه القصة، أهمها : إذا زرعت الأمانة فستحصد الثقة إذا زرعت الطيبة فستحصد الأصدقاء إذا زرعت التواضع فستحصد الاحترام إذا زرعت المثابرة فستحصد الرضا إذا زرعت التقدير فستحصد الاعتبار إذا زرعت الاجتهاد فستحصد النجاح وإذا زرعت الإيمان فستحصد الطمأنينة بالطبع يجب قبل هذا وذاك أن تتوافر التربة الطيبة التي تقبل النبتة الطيبة، وأن نجد ذلك المسؤول الحصيف الذي يختار بنفسه ودون ضغوط خارجية أو داخلية أن يترك مكانه من أجل الصالح العام. لذا فهي قصة من قصص الخيال أو الفانتازيا التي لا يمكن أن نجدها على أرض الواقع في أي قطر من أقطارنا العربية؟! وصدق الله تعالى الذي يقول في كتابه الكريم: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ). الأعراف 58. = والخلاصة هي إن ارض الله كلها طيبة والخبث يأتي من الإنسان نفسه .. فهو من يجعل النبتة طيبة، وهو من يجعلها نكدا.