كاواساكي يكسب النصر ويواجه الأهلي في النهائي الآسيوي    واشنطن تبرر الحصار الإسرائيلي وتغض الطرف عن انهيار غزة    أوكرانيا وأمريكا تقتربان من اتفاقية إستراتيجية للمعادن    أمير جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية إثيوبيا بجدة    الرئيس اللبناني يؤكد سيطرة الجيش على معظم جنوب لبنان و«تنظيفه»    حينما يكون حاضرنا هو المستقبل في ضوء إنجازات رؤية 2030    جاهزية خطة إرشاد حافلات حجاج الخارج    القبض على (12) يمنياً في عسير لتهريبهم (200) كجم "قات"    المملكة: نرحب بتوقيع إعلان المبادئ بين حكومتي الكونغو ورواندا    وزير الخارجية يستقبل نظيره الأردني ويستعرضان العلاقات وسبل تنميتها    المتحدث الأمني بوزارة الداخلية يؤكد دور الإعلام الرقمي في تعزيز الوعي والتوعية الأمنية    ميرينو: سنفوز على باريس سان جيرمان في ملعبه    بمشاركة أكثر من 46 متسابقاً ومتسابقة .. ختام بطولة المملكة للتجديف الساحلي الشاطئي السريع    وزير الخارجية يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير خارجية الأردن    رؤى مصطفى تسرد تجربتها الصحفية المميزة في حوار الشريك الأدبي    بيئة عسير تنظم مسابقة صفر كربون ضمن فعاليات أسبوع البيئة    رسمياً نادي نيوم بطلًا لدوري يلو    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية مدير عام السجون بالمملكة    انطلاقة المعرض الهندسي الثالث للشراكة والتنمية في جامعة حائل    تدشين الهوية الجديدة لعيادة الأطفال لذوي الاحتياجات الخاصة وأطفال التوحد    "مبادرة طريق مكة" تنطلق رحلتها الأولى من كراتشي    أمانة القصيم تحقق التميز في كفاءة الطاقة لثلاثة أعوام متتالية    نائب أمير حائل يزور فعالية "أساريد" في قصر القشلة التاريخي    بطولة الشرق الأوسط للراليات تتجه إلى المملكة العربية السعودية    آل جابر يزور ويشيد بجهود جمعيه "سلام"    6 مطارات لخدمة الحجاج    "فلكية جدة": رصد هلال شهر ذي القعدة في سماء الوطن العربي بعد غروب شمس اليوم    العمليات العقلية    انخفاض أسعار الذهب بنحو واحد بالمئة    "الشورى" يطالب "التلفزيون" بتطوير المحتوى    المرور: تجاوز المركبات أبرز أسباب الحوادث المرورية    خلال لقائه مع أعضاء مجلس اللوردات.. الربيعة: السعودية قدمت 134 مليار دولار مساعدات ل 172 دولة حول العالم    هجوم على الفاشر ومجزرة في أم درمان وضربات للبنية التحتية.. الجيش السوداني يُحبط خطة شاملة لميليشيا الدعم السريع    في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. إنتر المتراجع ضيفًا على برشلونة المتوهج    11.3 مليار ريال استهلاك.. والأطعمة تتصدر    تطوير التعاون الصناعي والتعديني مع الكويت    حوار في ممرات الجامعة    هند الخطابي ورؤى الريمي.. إنجاز علمي لافت    ترامب وهارفارد والحرية الأكاديمية    التقوا رئيسها واستمعوا لتوجهاته المستقبلية.. رؤساء تحرير يطلعون على مسيرة التطور في مرافق "أرامكو"    نائب أمير مكة يطلع على التقرير السنوي لمحافظة الطائف    هيكل ودليل تنظيمي محدّث لوزارة الاستثمار.. مجلس الوزراء: الموافقة على تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء    محمد بن ناصر يزف 8705 خريجين في جامعة جازان    أمير الشرقية يستقبل السفير البريطاني    مدرب كاواساكي: لم نستعد جيداً    "هيئة العناية بالحرمين": (243) بابًا للمسجد الحرام منها (5) أبواب رئيسة    مسؤولو الجامعة الإسلامية بالمالديف: المملكة قدمت نموذجاً راسخاً في دعم التعليم والدعوة    بدء المسح الصحي العالمي 2025    "الداخلية" تحتفي باليوم العالمي للصحة المهنية    مستشفى الملك خالد بالخرج يدشن عيادة جراحة السمنة    فريق فعاليات المجتمع التطوعي ينظم فعالية بعنوان"المسؤولية الإجتماعية للأسرة في تعزيز الحماية الفكرية للأبناء"    إيلون ماسك يقلق الأطباء بتفوق الروبوتات    أسباب الشعور بالرمل في العين    اختبار للعين يكشف انفصام الشخصية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل محافظ الطائف ويطلع على عددًا من التقارير    تنوع جغرافي وفرص بيئية واعدة    أمير جازان يستقبل مدير فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة    أمير منطقة جازان يرعى حفل تخريج الدفعة ال20 من طلبة جامعة جازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلامة ابن عقيل الظاهري: قبَّلت رأس وأنف كل من ظلمني لما تدخل الأمير سلمان!!
نشر في المدينة يوم 22 - 01 - 2010

.. وفي هذه الحلقة من حلقات “المواجهة” مع العلامة الكبير أبو عبدالرحمن بن عقيل الشهير ب(الظاهري) تطوى صفحة من صفحات المصارحة والمكاشفة والمواجهة، بعد أن عشنا سويًّا في صحبة هذا العلامة، نبادله السؤال ونطرح المماحكة، فتهرول الإجابة الصادقة دون تكلّف أو تملّق. وفي هذه الحلقة يعرّج بنا ابن عقيل إلى الشاعر الكبير عبدالله بن خميس، وقصة ما دار بينهما من هجاء شعري حتى وصل الحال بشكوى في المحاكم لولا تدخل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، كاشفًا أنه أراد له مكانًا بين أهل القلم، فلم يجد أسمن من ابن خميس كي يحارشه، ذاكرًا لنا قصة اعتزاله للصحافة نافيًا أن تكون قصة أبطالها هو والأستاذ القدير حمد القاضي إبان ترؤسه للمجلة للعربية. متّهمًا ابن العربي بتطاوله على الشافعي وأبي حنيفة وابن جرير. وأنه لم ينقد ديوان (أبيات غزل) للقصيبي، وإنما قرَّظه، مقدّمًا لملحق “الرسالة” هدية من أشعاره حتى لا يتّهم باستجدائه!!. مسقطًا في ذات “المواجهة” سيلًا من السخرية التي لا تنفك عنه من خلال بعض إجاباته. العود أحمد أعلن الشيخ عايض القرني اعتزاله من خلال ملحق “الرسالة”، وأعلنت أنت في عام 1424ه اعتزالك.. هل هذه ظاهرة صحية؟ - بل سبق ذلك طلاق للصحافة قبل عام 1400ه بسنوات، وكانت كلمة الوداع مقالتي (آن له أن يُعجم)، وكان لها صدى أدبي تجاوب معه الدكتور غازي القصيبي، وسمعتُ الأستاذ علي النجعي يُلقيها في الإذاعة بأسلوب متهدِّج.. ولا يحق لذي الحرفة القلمية أن يعتزل ما دام نافعًا إلاّ أن يكون يعمل على جبهة أخرى أنفع، وما حدث لي وللدكتور عايض بَرَمٌ نفسيٌّ؛ فتزول الظاهرة التي ذكرتموها بزوال العارض؛ ولهذا عدنا والعود أحمد؛ وأمّا الالتزام الصحفي فقد عجزتُ عنه، ورأيت أنه ضد الإبداع والتحقيق؛ فمطلوب منك أن ترصَّ المقالة في وقتها!! مع أن للذاكرة والموهبة والبحث ابتسامات وتجليات. لا أجيد التمثيل يُقال: إن اعتزالك عن المجلة العربية تمثيلية منك، ومن الأستاذ حمد القاضي قمت بعرضها على القرّاء فقط؟ - أَفَا يا ساري: ارْفَعْها فوق شُوَيْن [لهجة الشمال أعجبتني].. إنني أعيب نفسي بالصراحة والوضوح، وأن ظاهري كباطني، ولا أُجيد التمثيل، إلاّ أن أردت بالتمثيل نوعًا من المصارحة!. حاشا بلا مد ألم تكن تمثيلية لجسِّ نبض القراء؟ - حشا [بلا مد للاختصار]، وماذا أريد بالجس وأضابيري مليئة برسائل القُرَّاء.. ومَن أراد شراء ذبيحة فلا يغترَّ بجسِّ الذَّنَبَة؛ فإنها خدَّاعة، وعليه بجس الظهر والزور وفرِّ الأسنان.. وبعضُ الحيوانات عافيتها في عَجُزها مثل سيارة (الفولكس فاجن) مكينتها خَلْفها. صدقوا في ذلك يقولون بأنك كثير الخصومة والمعارضة؟ - صدقوا، وكان هذا في صلف الشباب، وقد راضني الورع، وتقدُّم السنِّ؛ فكنت لا أخوض إلاّ مع الأكْفَاء [بتخفيف الفاء، وتشديدها جمع الكفيف من العميان]، أو في طرحٍ محقَّقٍ؛ فقد يغلب التلميذ شيخه.. وأروض نفسي عن إيغار القلوب، وإذا وثقت بالمودة قرصتُ وأوجعتُ، ويعجبني مَن يُحسن التقاضي. خدعوك يا هذا ما القصة بينك وبين الشيخ ابن خميس الذي هجاك بقصيدة مطلعها: خدعوكَ يا هذا ومثلك يُخدع فظلَلْتَ ترقل في الأنام وتُوضِعُ ما صحة ذلك؟ - لا يحتاج الأمر إلى تصحيح.. قصيدته في ديوانه وفي ديواني أيضًا.. وردّي الذي مطلعه: هابوا صيالك جاهمًا فتطلَّعوا عَدْوَ الكميت لكل سبقٍ تَمْزع بديواني، ولم يضعها شيخي ابن خميس بديوانه هداه الله، ولمّا رددتُ عليه كان بمنزلي ضيفًا عندي الشيخ أبو تراب الظاهري رحمه الله؛ فأشاع الشيخ عبدالله أن أحد (الأعجميين) ساعدني، وما ساعدني والله؛ وإنما ساعدني شيخ لي شاعر من تميم حصاة البلد وبيضتها، وما سلسلت قصيدتي إلاّ ببضعة أبيات أمدني بها.. والآن ولله الحمد استغنيت عن طلب الحِباء؛ فانقاد لي شاردُ الشعر طيِّعًا، وقد استعار لي أخي الأستاذ حمد القاضي مقولة قديمة؛ فقال: (ما زال أبو عبدالرحمن يهذي حتى قال شعرًا) وأنت يا ساري أتعبتني بالجد. قبّلتُ رأس هؤلاء وبيني وبين شيخي ابن خميس مقارضة بقصيدتين رائيتين وُدِّيَّتين بالديوانين، ثم أدخل الشيخ عبدالله طرفًا ثالثًا يهجوني بشعر عامي، ويوزِّع الشعر في الوزارات بسيارة المصلحة الحكومية؛ فشكوتُ على الملك فيصل رحمه الله -لما صار التألبُّ بطرف ثالث غريب ليس في مستوى الحرفة القلمية- أطلب المرافعة شرعًا، وأخذتِ الشكوى طريقها، ولكن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز تدخَّل وطلب التصالح؛ فقبلتُ، وقبَّلْتُ رأس وأنف كل مَن ظلمني من الأطراف؛ فالحمد لله كثيرًا. عَرْكُ أُذُنٍ هل ما زلت تحتفظ بهذا في عبدالله بن خميس؟ - وهل عندي في شيخي ابن خميس إلاّ الرأي الجميل، وإنما أردت مكانًا لي بين أهل القلم، فلم أجد أسمن من الشيخ عبدالله؛ لأحارشه، فكان ما بيننا عَرْكُ أُذُنٍ وعضُّ رِيامٍ [ليست المطربة أريام، بل من الرَّوم حينما يعض السخل أمه وتعضه، ولا أثر لذلك إلاّ الدغدغة!!]. شكوت على الملك فيصل هل لك أن تخبرنا ما قصة هذه الخصومة؟ - انتقدت كتاب الشيخ (الأدب الشعبي) في عدد من الحلقات بجريدة الرياض؛ فنشر الشيخ عبدالله قصيدته (لغة الفضول)؛ فرددت عليه بقصيدتي (لغة الفحول)؛ فلم يكتفِ -حفظه الله- بهذا؛ بل سلّط شاعرًا عاميًّا توفي -رحمه الله- فهجاني بقصيدة قبيحة كلها قذف ووزعها؛ فتقدمت بشكوى إلى صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز عند تعيينه في الرياض، وعندما طال الأمر شكوت على الملك فيصل رحمه الله... إلخ القصة السالفة، وقد نشرت الصحف خبرها في حينها. أصلحك الله وما قولك في سلامة لسان المرء عن الخوض في أعراض الناس؟ - هذا ضروري. ولكن ورد في كتابك (ابن حزم خلال ألف عام) عن أكبر علماء المالكية (وهو ابن العربي، وهو عالم مفسر) نقدٌ، ونعتَّه بأنه جاهل، متمعلم،.. هل هذا انتصار لشيخك؟ وأين توقير العلماء وطلبة العلم؟ - أصلحك الله يا ساري.. إن الأعراض -حمانا الله- غير هذا.. وقولك عن القاضي أبي بكر ابن العربي -وقد بلوتُ كل كتبه المطبوعة، وما وصل إلى يدي من كتبه المخطوطة-: (من أكبر علماء المالكية) كلام غير صحيح.. لا والله، بل هو من أكبر مقلِّديهم، وقد أعاد المسلمون صلاة الجماعة لما شحن خطبته بحديث موضوع.. وما تراه في رحلته المطبوعة خطأ بعنوان: ( قانون التأويل) لورود هذا العنوان في المخطوط، وإنما العنوان لتفسيره، فهو شهادة منه لنفسه ينقلها عن آخرين. تطاول وسطو وما في كتبه من تحقيق سطْوٌ منه على مثل القشيري وأبي حامد الغزالي -رحمهما الله تعالى- وليس عنده إلاّ نقل أقوال المالكية مع كثرة الاعتذار والإحالة في كتبه.. وما فعلته انتصار للعلماء، وانتصار للإمام ابن حزم وللعلماء من أئمة المسلمين؛ فالعلماء (وانظر مقدمتي لكتاب التقريب في المنطق بتحقيق الشيخ عبدالحق التركماني) من الأئمة استخف بهم، وقال في حقهم قولاً سفيهًا يليق به؛ فقد تطاول على الأئمة مثل الشافعي وأبي حنيفة، وابن جرير، والجصاص، وابن سريج، وغيرهم؛ فلم يسلم منه أحد بنقدهِ للقائل لا القول، وبإقذاع، ولم يتقِّ الله، إذ قال عن أحد الأئمة من غير الظاهرية: (هذه فتوى يهودية)، وتعدى قدره فوصف الظاهريين بالحمير، وتطاول بكتبٍ له في الرد عليهم لم يقرأها غيره، وأقذع في حق شيخ أبيه الإمام ابن حزم -رحمه الله تعالى- ووصفه بالسخف، ولو عاصر أبا محمد لدحضه أبو محمد في بوله، كما دحض ابن البارية والعتقي، وقد استبرد الحافظ الذهبي -رحمه الله- سفاهة ابن العربي في حق الإمام ابن حزم، وهو لا يصل زبد مُجَّةٍ من لُجِّ الإمام البحر العباب أبي محمد -رحمه الله- بل تجد لابن العربي في كتابه أحكام القرآن إدلالاً على العلماء كافة، وتصريحًا بأنه استدرك على العلماء ما فات علمهم وقرائحهم، ثم تجد كلامه كله ممّا بحثه العلماء، وتجد بعضه خاطئًا في تفسيره كتفسيره لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )، وهي للامتنان والإباحة معًا؛ فأنكر الإباحة جهلاً ومكابرة، وما لم يُبح كأكل التراب فهو للامتنان؛ لأن في التراب منفعة، والإباحة منظَّمة بالإحالة إلى نصوص الشرع الأخرى. وعندي أن من العلم النافع التصدِّي لأمثال ابن العربي في سفاهته على الأئمة، وكسر حاجز المكابرة في تقليده المستميت، والاستفادة من أي حق يوجد، وردُّه إلى أهله إن عُرفوا، وما هتكت ستار العدل في قولي (جاهل متمعلم)، فهذا وزنه في المقارنة مع مثل الإمام الشافعي -رحمه الله- وقد استخف به، والانتصار للأئمة وللأقوال المحقَّقة باجتهاد واجب. الأنساب والأهواء لماذا لا يكتمل مشروع الأنساب الذي يقوم به مجموعة من النسّابين المتخصصين بدلاً من الجهود الفردية؟ - الأنساب ليست فتوى فقهية يراد منها الإجماع الجزئي؛ وإنما هي فن دنيوي تدخله الأهواء، وهي تحتاج إلى تلاقح أفكار، وأن يدلي كل فرد بجهده بشرط ظهور علم وفكر وتمييز.. والملاحظ اليوم أن أكثر كتب النسب تكرار ونقل عن بعضٍ، واعتمادٌ على المأثورات الشفهية، والأساطير، والشعر العامي بعد انقطاع التواصل بين كتب الأنساب الموثَّقة.. ومن الملاحظات النفيسة قول ابن خلدون عندما تحدث عن الخطأ في نسب آل الجراح: (ومن أسباب ذلك غياب العلم عن هؤلاء البادية الغُفْل)؛ لأنه مرَّ نسبهم بعصور من العامية منذ القرن الثامن إلى ما قبل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله تعالى- فاستمر ما أشار إليه ابن خلدون -رحمه الله تعالى- إلاّ عند المدقِّقين.. لقد ضاعت موسوعات في الأنساب منها ما بلغ 20 مجلدًا وهو كتاب الشهاب القاضي، وليس بين أيدينا الآن، ولا بين أيدي نسابي القرون: السابع والثامن والتاسع الهجرية مثل هذا التواصل. ما سبب ذلك؟ - عدم الاستقرار القبلي خاصة في بلاد نجد، والمسألة تحتاج إلى جمع الجانب العلمي والفكري، وذلك أمر إن شاء الله ستجد الإجابة عليه في عشر حلقات بمجلة الدرعية عن (التاريخ والمسؤولية الفكرية). ذكرياتي وتباريحي يُقال بأنك تكتب التباريح في عشر حلقات أو عشرين؟ - أكثر من ذلك أحيانًا؛ لأنها ليست مناسبة سياسية، بل هي عن ذكرياتي وتباريحي. في الكتابات الاجتماعية التي تغمزها وتلمزها تصنع المجتمع من خلال الهمز واللمز.. الناس تبحث الآن عن لقمة العيش، وعمن يصلح سيارتها؟ - أخي ساري هذا كلام غير مفهوم؛ لأنه لا علاقة لهذا الموضوع باللمز.. واللمز غير موجود عندي. أنت تقول عن الكتّاب الذين يكتبون عن (مطبات).. المجموعة الكبيرة التي كانت تستحوذ على الصحافة أمثال عبدالله الغذامي وسعيد السريحي كانوا يكتبون من برج عالٍ، ثم تحوّلت كتاباتهم في السنوات المتأخرة إلى الهم الاجتماعي؟ - يا رعاك الله: المطبات همٌّ اجتماعيٌّ غير معقَّد، وتناوله فرض كفاية غير متعيِّن عليَّ، وفيه من هو أقدر مني على ذلك، وما علمتُ أنني لمزتُ أحدًا يكتب عن المطبات، ولكن أقول الآن: (مَن لا يكتب إلاّ عن أمثال المطبات ليس له حضور علمي أو ثقافي أو أدبي).. على أن الأديب الطلعة الطيب صالح -رحمه الله- كان مدعوًّا عندي في المنزل؛ فرأى المطبَّات؛ فقال: (إنها ظاهرة غير حضارية).. وهذا صِدْق بالنسبة لجمهور غير مبالٍ لا يُوْقِفْهُ إلاّ المطبُّ قسرًا.. على أنني رأيتُ المطبات في لندن!!. وعدم مشاركتي في المطبات لا يعني انعزالي عن الهم الجماعي، بل أنا في هم كبير يليق بتخصصي ومزاجي الفكري، ومَن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم؛ ومن أجل عينيك يا ساري عشقت المطبات؛ فأقول إرضاء لك ومشاركة مني: (أيُّها الناس اسمعو وَعُوا، وليكن لكم من أنفسكم حاجز، وحاسبوا في مظانِّ الخطر عليكم أو على غيركم قبل المطبات.. اللهم فاشهد أنني بلغت).. وأمّا السريحي والغذامي فأعانهما الله على ما يعشقان إذا كان خيرًا لهما ولأمتهما. تدوين المأثور والعامية التي يُقال: (إنك تنادي بها ليس كتابة وإنما رواية ألاّ تضر بأجيال كثيرة؟ - سؤال أخي ساري واضح.. يريد أنني أنادي بتدوين المأثور من الأدب العامي لا بكتابة مؤلفات باللغة العامية.. وجوابي أن الدعوة إلى العامية كتابة وإبداعًا وتفرُّغًا مُضِرٌّ بنا في قدراتنا وإنتاجنا، وصادٌّ لنا عن لغة العرب التي نفهم بها ديننا، ومجلبة للشماتة بنا عند خلق الله؛ فهذا الغثاء العامي في
المحطات التي يدور عليها عقرب الساعة أربعًا وعشرين ساعة، والتفرغ للقفز و(خَلُّوها)؛ فتحوَّل الملح إلى طعام: يشمت بنا، ويزهدنا في أنفسنا ونحن نرى محطات العالم المتفوق وبعض العالم النامي تعرض علم الأحياء، أو تدرس في الكونيات والطبيعيات والإنسانيات، أو في سجال ثقافي أو ديني أو أدبي خلاب أو لغوي، أو تحليل أوضاع راهنة، أو دعوة رجولية علمية فكرية للدّين الصحيح، أو في تمسُّحٍ من المبطلين بالشُّبه وهم في حكم بني قومهم مبدعون.. ما هذا؟ خلُّوها.. اللي ما يَبانا ما نباه!! واعيباه يا ابن قحطان وعدنان.. يا أهل اللغة الوسيعة المدلول والأخاذة موسيقيًّا.. يا أهل الرقعة من المحيطين ومن جنوب فرنسا، وأرانا بعد الأندلس نكتب سفر الخروج إلاّ من (خلوها) و(اللي ما يبانا ما نباه).. بئس المِهْنة!! وهلهلتي للعامية بحمد الله بارزة في تاريخي العلمي. معركة العامية ومن أحدث ذلك كتابي (معركة العامية) الذي طبع منذ سنوات.. وأمّا رواية الأدب العامي وإبداعه فلستُ متخثرًا ولا متناقضًا، بل مذهبي كما يلي: 1 - تدوين الأدب العامي في بلاد العرب ضرورةٌ منذ بدايته إلى استقرار المملكة العربية السعودية عام 1352ه لدلالته التاريخية، ثم الامتداد معه إلى بقية جيل أحمد الناصر والخس؛ من أجل الدلالة البيئية واللغوية.. وتاريخنا في الوسطى مرَّ به حقب كان مطمورًا، وطمر منه جوانب بعد التدوين كمناخات البادية، والشعر العامي التاريخي خير مَعين.. ونحتاج إلى دلالته البلدانية لتحديد عَلَم ذي اسم تاريخي اشتبه علينا وتغيَّر اسمه. 2- نحن بحاجة إلى قيمه الجمالية قديمًا ومعاصرًا؛ لامتداد جماليات تراثنا الفصيح؛ فالإبداع مرغوب.. ومن منا لا يعشق: يا لجحدري لا يعجبك كثرة الحومْ طير البحر ما يغرقه كود ظله إلى قول لويحان: لا تهوش بحربة دجما بليا عودِ مثل من عالج عيونه بالدوا واعماها انت ما تلقى وانا القى لي بغيت شهود شهودي والمكاوي لو يطول الصوف ما غطاها إلى ثالث نكأ جروحي قوله وأنا أحسبني صغيرْ وْبالعِمِر تَوِّي لا شك شيَّبْتِ واحلا العِمْرِ عَدَّيْته والمثال كذوق الطعام لا غير، وليس للاستيعاب. عجزت عن نسيانها 3 - لا خطر على الرجل الفصيح بأن ينسى لغته، واللغة كالسباحة والرمي، وهأنذا ابن (74) عامًا عجزت عن نسيان لهجتي الشقراوية. 4 - ليس على ابن البادية وابن الحاضرة معًا أن يبدع في الشعر العامي.. لا ضير عليه في ذلك، وإنما يؤاخذ إذا ربض في الشبكة، ولم ينقل إبداعه إلى فصحاه التي هي أقدر على الأداء العلمي والفكري والنفسي والفلسفي، وهي أغزر شواهد.. إنه إن ربض في الشبكة، وكان شعره العامي تفرُّغًا لا مجرَّد مشاركة.. إنه سيكون حتمًا متنكرًا للغة أجداده وأدبياتهم وتراثهم.. إننا نأخذ مجمل الشعر العامي التاريخي (أي القديم)، ونأخذ ميزة الشعر العامي المعاصر. لا خشية من ذلك لماذا؟ - لنأخذ ما في القديم من الضرورات كالأحداث التاريخية، والمعاصر يشارك في جوانب أخرى نأخذ ميزتها؛ ففيه لغة مجازية تضاف إلى قاموسنا، وفيه نموذج أدبي جمالي يضاف إلى نموذجنا الأدبي المعاصر، وفيه تسجيل للنواحي البيئية، ونحن بحاجة إلى ذلك.. ثم إني أدعو إليه دراسةً وشرحًا من قِبل علماء متخصصين في اللغة العربية، والرجل الفصيح إذا درس اللغة العامية لا يُخشى عليه أن يتحوّل إلى عاميّ، وإنّما يُخشى على العامي أن يبقى عاميًّا إذا لم يتعلم، وقد وجدت في مأثور الشعر العاميّ ما يُصحِّح خلافًا لغويًّا لدى الفصحاء، وقد مر مثال لذلك من معنى (الزان) الذي هو رمح يغرز فيه السنان، والحمد لله كثيرًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وإخوانه وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.