لم يمض سوى عام واحد على استئجار عائلة ابو حيدر السوداني التي تتألف من (6) افراد لمنزل جديد في حي المغرب وسط العاصمة بغداد، القريب من مسقط رأس افراد العائلة، حتى أتى صاحبه ليطلب منهم البحث عن سكن جديد وترك منزله، بعد ان كان قد تعهد لهم في بادئ الأمر عند استئجارهم لعقاره وامام شهود عيان من ابناء المنطقة بأنه سوف لن يقدم على مثل هذا الطلب حتى عشرين سنة قادمة لكون عقاره هذا مصدر رزقه الوحيد الذي يعيل عائلته منه. لكن ارتفاع قيمة الإيجارات في المنطقة، نتيجة لقيام أصحاب العقارات بتحويلها الى مخازن تجارية تعود عليهم بعوائد مضاعفة مقارنة بما يحصلون عليه من تأجيرها كمنازل سكنية، دفع صاحب العقار الذي تشغله عائلة أبو حيدر السوداني وغيره من المؤجرين في المنطقة لرفع قيمة الايجار لعقاراتهم أو الطلب من المستأجرين مغادرتها والبحث عن بديل سكني آخر في ظل أزمة سكنية خانقة يعاني منها العراق منذ سنوات طويلة. ويؤكد عدد كبير من العراقيين ممن استأجروا منازل وعقارات سكنية خلال فترة أقل من عامين في أحياء متفرقة من العاصمة بغداد وغالبيتهم من ذوي الدخل المحدود، بأن المؤجرين واصحاب العقارات يلجأون الى أتباع حيل وألاعيب غير قانونية بمساعدة عدد من المحامين المتمرسين بالترافع امام المحاكم في قضايا ودعاوى قضائية لإخلاء المستأجرين للمنازل والعقارات التي تمتلكها فئة صغيرة من المجتمع وصفت ب «الإقطاعيين الجدد». ويشرح السوداني الذي بدأ بالبحث عن منزل جديد يستأجره ليؤويه هو وعائلته عوضا عن المنزل الذي لا يزال يشغله ويطالبه صاحبه باستمرار بإخلائه في اقرب وقت ممكن، المعاناة التي يواجهها جراء نكث المؤجر لوعده السابق، قائلا “لا أعرف كيف أتجاوز هذا المأزق الذي وضعني فيه مالك العقار الذي وعدني عندما استأجرت المنزل منه ان لا يقدم على الطلب مني اخلاءه حتى عشرين سنة قادمة». وبدأ عدد من المستأجرين للمنازل والشقق السكنية المتضررين من هذه الاعمال يتزايد في الاونة الاخيرة نتيجة لغياب قانون يشرع العلاقة بين المؤجر والمستأجر بشكل صريح، وكذلك غياب الدور الحكومي لإنهاء الازمة السكنية، وشبهوا الاجراءات التي يقدم عليها اصحاب العقارات ومحاميهم بعمليات “التهجير القسري” التي تعرض لها عدد كبير من العراقيين قبل سنوات في ذروة العنف الطائفي حيث كانت المليشيات والجماعات المتشددة تجبر السكان على ترك منازلهم في الاحياء التي لا يرتبطون فيها مذهبيا مع غالبية سكانها. ووفقا لبعض المتضررين، فإن “الألاعيب” التي يتبعها بعض المحامين للإسراع في استصدار قرار قضائي من المحكمة يجبر فيه المستأجر على إخلاء المنزل أو العقار الذي يشغله، تتمثل بتقديم «كليشة» مفبركة للمحكمة تفيد بأن المستأجر استولى على العقار ابان فترة العنف الطائفي والتهجير القسري للسكان الذي كانت تمارسه الجماعات المسلحة في عدد من مناطق العاصمة، إضافة إلى بعض الرشاوى التي تقدم هنا وهناك من أجل استصدار المذكرة القضائية الخاصة بإخلاء المنزل من ساكنيه والتي يتم تنفيذها بقرار القاضي عن طريق مفرزة من رجال الشرطة. وأشار موظفون صغار يعملون في عدد من المحاكم التي تنظر في دعاوى العقار إلى أن المحامين الذين يوكلهم أصحاب العقارات يقومون باستغلال الثغرات الموجودة في قانون العراقي أبشع استغلال من اجل تحقيق ما يطلبه منهم موكيلهم، في حين لا يتمكن المستأجرين من توكيل محامين لهم خبرة في هذه القضايا وهو ما يضمن للطرف المشتكي (أصحاب العقار) تحقيق ما يبتغون إليه عبر محامين متمرسين في التحايل على القانون واستغلال الثغرات فيه.