تحرص الدول باستمرار على مراقبة ميزان الإيرادات والمنصرفات المالية حتى تستطيع التوفيق بين التزاماتها المالية من خلال العائد المادي على استثماراتها بالإضافة إلى الدخل من المشاريع الربحية والضرائب والرسوم المستوفاة من الشركات والمؤسسات العامة والفردية وغير ذلك. وفي الجانب الأخر ما تنفقه على رواتب الموظفين وصيانة المرافق والمشاريع الجديدة منها والجاري تنفيذها. وبالإمكان النظر إلى ثلاث فئات من الدول، الفئة الأولى: الدول الصناعية كبيرة الثراء، والفئة الثانية: الدول المتوسطة التي تكافح باستمرار لتحسين مستوى الدخل القومي وتتطلع للحاق بنادي الأثرياء من خلال تحقيق وفورات مالية واستثمارات صناعية مجدية توفر فرص عمل وتدر أرباحاً مجزية، والفئة الثالثة: الدول الفقيرة التي تعاني من قلة الموارد المالية وتكافح من اجل سد احتياجات شعوبها من الضروريات الأولية مثل الغذاء، والمسكن، والصحة. ومن الملاحظ أن الدول الغنية والمتقدمة صناعيا،مثل: الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض دول الاتحاد الأوروبي الكبرى( فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وكندا واستراليا) هي أكثر شفافية فيما يخص أمورها المالية وتسعى باستمرار على أن يكون المواطن-دافع الضرائب- في الصورة لكل قرار تتخذه الدولة ويترتب عليه أعباء مالية، ولديها آليات شفافة يتم من خلالها مناقشة الموازنات العامة والمشاريع المستحدثة والطارئة، وتحرص أيضا على رسم استراتيجياتها بناء على قدراتها المالية حتى تستطيع الوفاء بالالتزامات والابتعاد عن دائرة العجز المالي في موازناتها الحولية وحصر الديون في أقصى درجات الحاجة الملحة تجنبا لما يترتب على تلك الديون من أعباء تخل بمتانة اقتصاد البلد وتثقل الحمل على خزينة الدولة. ومن خلال الشفافية تستطيع أن تحد من التجاوزات، والمبالغات، وأوجه القصور أيضا في حفظ المال العام. والدول المتوسطة والصاعدة حاليا مثل: (الصين، والهند، والبرازيل) ذات الاقتصاديات الصاعدة والتي أصبحت تنافس الدول الخمس الأكبر صناعيا واقتصاديا( أمريكا،اليابان، ألمانيا،انجلترا، وفرنسا)... فلا زال مستوى الشفافية والفساد الإداري من الظواهر البارزة، ولكن آلياتها تتحسن بسرعة مع مرور الوقت رغم ما تعانيه تلك الدول من معدلات تضخم و بطالة بنسب عالية، وكذلك نسبة الفقر المرتفعة مقارنة بالدول الصناعية الكبرى. وعندما ننظر إلى الدول العربية، والإسلامية، نجدها متمركزة بين المستويين: المتوسط، ومادون المتوسط، حيث لا أحد منها، حسب المعايير المتبعة يصنف من الدول الصناعية الكبرى(العالم الأول)،رغم قلة عدد السكان إذا ما قورن بالصين أو الهند، وكثرة الموارد الطبيعية مثل البترول والزراعة والثروة السمكية وغير ذلك. ولو استثنينا دول الخليج العربي التي شهدت طفرة تنموية عالية خلال العقود الماضية، ومع ذلك نجد آليات الشفافية لازالت دون المستوى المطلوب،حيث يأتي ترتيبها فوق22، ودون 66، بين دول العالم حسب ما ورد في تقرير منظمة الشفافية العالمية لعام 2009م، ورغم ذلك لازال المواطن الخليجي يعاني من عدم معرفة صحة الوضع المالي. ونظرا لقلة المعلومات يفترض المواطن إن الدول لديها كثير من المال ولا يصل إليه منه إلا الشيء الزهيد،ولهذا تجد التكهنات والتساؤلات عن حجم الدخل القومي، وأين وكيف يتم إنفاقه؟ ومفهوم الشفافية فيما يخص... الشؤون المالية للدول... يشمل الوضوح والدقة، وعلى وجه الخصوص عن حجم الدخل القومي ومصادره، وأوجه الصرف المتعددة كما أن المنهجية الشفافة تمنح أجهزة الدولة قدراً كبيراً من الثقة، وتهيئ المواطن لمعرفة ما يحصل، والمشاركة في تحمل المسؤولية، و الحرص على أن يكون الإنفاق في محله، وان الأولويات تذهب إلى حيث يجب أن تكون مثل: الدفاع، والأمن، والصحة، والتعليم، والبنية التحتية بصفة عامة. وبعد صدور موازنة المملكة في هذا العام اتضح أن الوضع لمالي سليم ومطمئن حيث سنرى استمرار الصرف على مشاريع التطوير، والبنية التحتية، والتنمية المستدامة، والاستثمار في التعليم الذي يعد الرهان الأمثل لمستقبل الوطن الغالي... بإذن الله تعالى. وبالعودة إلى العنوان - ثقافة الشفافية المالية- فكما يبدو أن الوضع مريح من النواحي المالية بسبب ارتفاع أسعار البترول والفوائض المالية التي تحققت في الأعوام الماضية، كما ان مستوى الشفافية المالية مرتفع لدينا بحمد الله ولكننا لازلنا بحاجة إلى مزيد منها، لكي نكون معا في هموم الوطن، ويكون سقف تطلعاتنا كمواطنين مبنياً على رصيد من المعلومات الصحيحة وليس على تخمينات قد تكون بعيدة عن الواقع. [email protected]