إذا كان الجهل أحد أسباب نشر الشائعة في المجتمع، فإن نهج التعتيم وعدم وجود مناخ يسوده الثقة بين الناس وبين أجهزة الإعلام، هو السبب الأكبر في اختراع الشائعات ورواجها بين الناس. نعم.. هناك شائعات يصعب تصديقها من قبل العقلاء، لكن هذا لا يعني خلو مجتمعنا من مكونات البيئة الفكرية والنفسية المناسبة لرواج الشائعة. وهذا هو ما يجب التركيز عليه أولا وقبل كل شيء عند النظر في ظاهرة رواج الشائعات في المجتمع. إن تحلي وسائل المعلومات بالمصداقية هو السبيل الوحيد لقطع الطريق أمام أية شائعة. لكن ما دامت هذه المصداقية مهزوزة، وما دامت وسائل الإعلام نفسها تفتقر إلى المعلومات الحيوية التي يتطلع المواطن إلى معرفتها، فإن تدفق الشائعات سيستمر بل وسيتعاظم حتى تنتهي حالة الفقر المعلوماتي التي يعاني منها المجتمع . في ظل هذا الواقع الذي يتسم بالغموض والافتقار إلى المعلومات، تظهر الشائعة كبديل طبيعي عن المعلومة المحجوبة ويصبح لها وظيفة تتمثل في ملء الفراغ المعلوماتي. وهكذا يصبح ظهور الشائعة وانتشارها ورواجها هو الأمر الطبيعي، في حين يصبح عدم ظهور الشائعة ورواجها أمرا غير طبيعي ويحتاج إلى تفسير قد يصل حد ضرورة إجراء دراسة علمية لمعرفة الأسباب الكامنة وراء اختفاء الشائعات! حرية توفر وتداول المعلومة هي الدواء الوحيد لداء انتشار الشائعات.