بالقرب من المسجد الحرام وعلى بعد مئات الأمتار فقط من الناحية الجنوبية للمسجد الحرام بمكةالمكرمة يقع جبل أجياد المصافي بين عدة جبال حيث يحده من الشرق الجبال المطلة على حي العزيزية ومن الشمال أجياد السد والحرم المكي الشريف ومن الغرب طريق أجياد المؤدي إلى الحرم ومن الجنوب ريع بخش وريع بليلة والطريق المؤدي إلى جبل خندمة. استوطن السكان هذا الجبل منذ فترة قديمة جدا لا يعرف تاريخها ومن أشهر من سكنه عائلة البغدادي إحدى العوائل المكية المشهورة. ورغم قرب هذا الجبل من البيت العتيق الا ان (حاله حال جبال مكة الأخرى) فالطرق الملتوية والمتعرجة والمنعطفات الحادة هي ابرز سماته الرئيسية وكثيرا ما تحدث الاختناقات المرورية التي تمتد إلى ساعات طويلة بسبب هذا الضيق حيث لايمكن ان تمر من الطريق سوى سيارة واحدة ، وهناك بعض الأماكن في الجبل لا تستطيع السيارات العادية أن تصلها لشدة الانحدارات فيها وبالتالي لا يصعدها سوى السيارات التي تمتلك نظام (الدبل) فيها . وبعض تلك المنحدرات حولها الساكنون هناك إلى درج يستخدمونه في صعودهم ونزولهم من وإلى منازلهم لكي يخفف ذلك عنهم عناء تلك المنحدرات التي لا تستطيع سياراتهم الصعود فيها . وعند حصول حريق أو حادثة في الجبل فإن سيارات الإطفاء لاتستطيع الوصول إليه لضيق الطرق التي لا تتسع للآليات الضخمة التي يملكها الدفاع المدني ، وأمام ذلك يتولى الأهالي مسؤولية اخماد النيران وإسعاف المصابين ونقلهم إلى المستشفيات. وفي الجبل تكثر الأزقة والبيوت المهجورة التي هجرها ساكنوها بحثا عن مكان أكثر أمنا وتتوفر به خدمات أفضل ، ولهذا اتخذتها العمالة المتخلفة مكانا يؤويهم من عيون الأمن التي قد لا تصل إلى هناك ليمارسوا فيها كل ماتشتهيه أنفسهم دون رقيب ولا حسيب . وفي تلك الأزقة تنبعث الروائح الكريهة نتيجة تراكم النفايات وتسرب مياه الصرف الصحي . كما يكثر البعوض والحشرات الضارة بشكل كبير ومخيف نتيجة الإهمال وانعدام النظافة. ويلاصق هذا الجبل جبل آخر يعرف بجبل السبع البنات يعتبره البعض جزءا من جبل المصافي. كما انه جزء من جبل الخندمة يقع خلف جبل أبي قبيس وهو ما يعرف اليوم بأجياد السد ، وهذا الجبل يربط بين أجياد السد وشعب عامر لأنه يمر من هذين الموضعين. اما عن سبب تسميته بهذا الاسم فقد قيل إن أسرة مكونة من سبع بنات استوطنت الجبل زمنا طويلا. وقيل إنه كان هناك رجل يسكن هذا الجبل وله سبع بنات، فلما توفي حمل نعشه أربع منهن وثلاث سرن خلفه مشيعات ولعل القول الأخير هو الأرجح. وحال هذا الجبل لايختلف عن حال جبل المصافي إن لم يكن اكثر سوءا منه. قصص المعاناة حدثت العديد من قصص المعاناة والحكايات المأساوية في هذين الجبلين كما روى لنا بعض كبار السن والأشخاص الذين يسكنون فيها. يقول عبدالرحمن الحارثي سقطت حاجة قبل عدة اشهر في أحد المنحدرات الجبلية الخطيرة في الجبل ومكثت قرابة أربع ساعات لم تستطع سيارات الإنقاذ الوصول اليها بسبب الاختناقات المرورية، وبعد ذلك صعد مجموعة من الشباب وحملوا تلك العجوز في بطانية وأنزلوها الى الأسفل ومن ثم أخذناها في عربة خاصة بالمعاقين ونقلناها الى أقرب سيارة اسعاف لتنقلها الى أحد المستشفيات. وقال عبدالله عثمان: احترق منزل قبل مايقارب ست سنوات وتسبب في حريق سيارتين كانت بجواره وكادت تحصل كارثة إنسانية لولا عناية الله سبحانه وتعالى بهم وخروجهم من منازلهم، ولم يصل رجال الإطفاء الا بعد ان اكلت النيران الأخضر واليابس في المنزل بسبب تزاحم السيارات في الطرق. وقال عبدالعزيز وهيب: بحكم عدم معرفة الحجاج بمخاطر هذا الجبل تكثر الوفيات فيه من الحجاج حيث تم العثور على ما يقارب عشرين جثة تقريبا خلال خمس عشرة سنة وبعض الجثث تم العثور عليها بعد الوفاة بعدة أشهر نتيجة وعورة الجبل. وقال في هذا العام وعندما كنا نمارس كرة القدم في احد الملاعب الترابية في أعلى قمة الجبل كانت تنبعث روائح كريهة تدل على وجود جثة متحللة بالقرب منا وعندما تتبعنا مصدر الروائح وجدنا جثة حاج سقط من علو مرتفع ليقع بين عدة صخور وقمنا بإبلاغ عمليات الدفاع المدني. الذي جاءنا بعد فترة طويلة ومن طريق آخر لينتشل الجثة من تلك المنحدرات. وقال حسن خلف الله البالغ من العمر (71 عاما) : حرمتني الطرق الضيقة والوعرة من الحاجة الماسة لاهتمام عائلتي بي فأنا أعاني من إعاقة اقعدتني على الفراش منذ خمس سنوات وكنت أعاني من صعوبة الطلوع والنزول من وإلى منزلي لمراجعة المستشفيات مما دفع أبنائي لاستئجار غرفة صغيرة في أسفل الجبل لكي يسهل لهم نقلي للمستشفى. وقال علي ابن العم حسن الذي ترك عمله من أجل ان يهتم برعاية والده المقعد : كنا نعاني كثيرا من نقل والدي للمستشفى بسبب الطرق الضيقة التي نمكث فيها بالساعات ، وهذا الأمر كان يضايق والدي كثيرا ويزيده تعبا على تعبه. فخطرت على بالي فكرة لم تكن بالجيدة وهي أن نخرج ابي من منزله الذي عاش فيه سنوات طويلة ليسكن في غرفة صغيرة تسهل عليه عملية مراجعة المستشفيات وكانت والدتي وإخواني وأخواتي معارضين للفكرة تماما فليس من السهل أن يتركوه بهذا الوضع. ولكن الظروف والوضع المأساوي الذي يعيشه الجبل هو من أجبرنا على ذلك. وقال سامي سعد كان هناك مريض يحمل الجنسية الأفغانية يسكن في الجبل ويعاني من أزمة قلبية وربو وبعد عودته من أحد المستشفيات التي كان يراجعها كان الطريق مقفلا تماما بازدحام السيارات. فاضطر أن يمشي على قدميه الى ان يصل منزله في قمة الجبل. وبعد وصوله للمنزل بخمس دقائق فقط توفي نتيجة ضيق في التنفس وتصاعد في أزمته القلبية نتيجة سيره على قدميه لمسافة طويلة.