لا تزال أسعار النفط تواصل رحلتها الصعودية، في ظل توقعات من خبراء ومتخصصين بأن يصل السعر قريبا الى سقف المائة دولار، اذ تجاوز بالامس سقف الثمانين دولارا، متجها الى مناطق قريبة من منطقة صعوده التاريخية قبل عدة اشهر والتي أوصلته الى ما يقارب 150 دولارا قبل ان يتراجع مرة أخرى في رحلة هبوط تأريخية أرجعته إلى مستوى متدنٍ بلغ نحو 33 دولاراً في نهاية 2008. قبل أن تعاود الارتفاع إلى مستويات (70 - 80) دولاراً منهية العام 2009 فوق مستوى 79 دولاراً للبرميل ومسجلة أكبر قفزة سنوية في عشرة أعوام مرتفعة 78 في المائة منذ بداية العام بالرغم من استمرار الأزمة المالية العالمية وهي أكبر مكاسب سنوية من حيث النسبة المئوية منذ عام 1999 لكنها تظل عند حوالى نصف أعلى مستوى لها على الإطلاق البالغ 147.27 دولار للبرميل الذي سجلته في يوليو 2008م.هذه التقلبات السعرية شكلت ارباكا كبيرا للسوق العالمية وأحدثت تغيرات واسعة سلبا وايجابا في ميزانيات الدول المصدرة والمستوردة للنفط حول العالم. غير أن مكاسب النفط هذا العام جاءت ضمن اتجاه صعودي واسع شمل أسواق السلع والأسهم مع عودة الاستثمارات إليها بعد نضوبها أثناء الركود الاقتصادي العالمي.. ويرجع السبب الرئيس لعودة أسعار البترول للارتفاع وفقا لمواقع اقتصادية متخصصة إلى عدة عوامل منها قرار منظمة أوبك بتخفيض إنتاجها بحوالى 4.2 مليون برميل يومياً. وكذلك خطط التحفيز التي تم اعتمادها في قمة العشرين في لندن والتي بدأت تعطي إشارات بتعافي الاقتصاد العالمي ما زاد من التكهنات بعودة ارتفاع الطلب العالمي على النفط. وايضا زيادة الطلب على النفط من دول آسيوية وعلى رأسها الصين مما عوّض نقص الطلب من الولاياتالمتحدة والدول الغربية. وقالت بعض المصادر : إن التقلبات التي سجلتها أسعار براميل البترول ستخلق مشكلات جديدة وتثير مخاوف من مواجهة موجة جديدة من ارتفاع الأسعار نظرًا لزيادة تكلفة الإنتاج ونقل المنتجات. ومن المتوقع أن يؤدي استمرار ارتفاع أسعار البترول إلى انخفاض الطلب العالمي عليه، ويحفز على استخدام المزيد من الفحم والغاز ومصادر الطاقة المتجددة خلال ربع القرن المقبل.. حسبما تقول إدارة معلومات الطاقة بالولاياتالمتحدةالامريكية.. والتي تتوقع أن يؤدي ارتفاع الأسعار الى تدني مستوى الطلب على البترول، وأن نصيبه من مصادر الطاقة التي تستهلك سينخفض ليصبح 33 في المائة بحلول العام 2030 بعد أن كان 38 في المائة في العام 2003 .. لكن من المتوقع أن تستمر الزيادة في استهلاك البترول في العالم بنسبة تقارب 40 في المائة في الفترة نفسها باعتبار أن الولاياتالمتحدة والصين والهند مجتمعة ستكون المستهلكة لما يزيد عن نصف الزيادة المتوقعة.وتشير التوقعات إلى أن الفحم والغاز الطبيعي سيرتفع نصيبهما في استهلاك الطاقة بالعالم فيما يتزايد الطلب على الطاقة الكهربائية.. اذ ان صناعة الطاقة تعتمد بدرجة متزايدة على المصادر غير التقليدية، مثل زيت الرمال، والبيتومين، وما يسمى بالوقود البيولوجي الذي تستخدم فيه مواد بيولوجية حية مثل النباتات والاشجار كمصادر للطاقة.. وكذلك الاساليب التكنولوجية كتحويل الفحم إلى سوائل والغاز إلى سائل، كما ان ارتفاع أسعار الوقود الحجري أو الاحفوري وزيادة المخاوف حول إمدادات الطاقة سيؤديان إلى تحسين احتمالات الطاقة النووية في كل مكان باستثناء أوروبا، حيث يتوقع انخفاض القدرة على إنتاج الطاقة النووية.ويقول الخبير النفطي الدكتور علي العلق الاستاذ المساعد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن حول هذا الارتفاع : إنه ناتج عن عدة اسباب أهمها موجة البرد الشديدة التي تجتاح العالم، مما ينتج عنه حاجة كبرى الى مزيد من وقود التدفئة مما يرفع الطلب على النفط وبالتالي فزيادة الطلب ترفع السعر.. ولو عدنا بالذاكرة الى الوراء لوجدنا ان الاسعار ترتفع كل شتاء اي انه ليس جديدا هذا الارتفاع.. وغير موجة البرد هناك سبب اخر لارتفاع اسعار النفط وهو انحسار اثار ازمة الرهن العقاري التي اجتاحت العالم خلال الاشهر الماضية إذ اأدى انفراجها الجزئي إلى تحرك الاوساط الاستثمارية العالمية وهذا التحرك تدعمه العوامل النفسية للمستثمرين. واضاف الدكتور العلق: أتوقع استمرار هذا الارتفاع في العام الميلادي الجديد 2010م ، ولكن ليس بالارتفاع الضخم حيث أرى انه لن يتجاوز 90 دولارا مع نهاية العام، فليس من مصلحة المنتجين ولا المستهلكين صعوده الى ارقام فلكية، كما ان اسعار النفط تخضع لعوامل اقتصادية وسياسية، اضافة الى ان المملكة صرحت اكثر من مرة ان السعر العادل للنفط في هذه الفترة هو 75 دولارا، وبحكم ان المملكة من اكبر منتجي النفط ومصدريه الى مختلف دول العالم، فمن المؤكد انها ستبذل كافة جهودها لابقاء سعر النفط في حدود معقولة جدا ولمصلحة الجميع.وحول هذه التقلبات السعرية في أهم سلعة على مستوى العالم يقول الخبير الاقتصادي الدكتور وديع كابلي استاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة: ارتفاع النفط حاليا مؤقت وسيعود قريبا الى وضعه الطبيعي كونه ارتفع نتيجة عوامل مؤقتة كموجة البرد التي تجتاح العالم حاليا اضافة الى بعض المضاربات النفطية التي تحدث على نطاق واسع في مختلف دول العالم، وليس ناتجا عن عوامل العرض والطلب.. وبمجرد زوال فصل الشتاء ستعود الاسعار الى طبيعتها ففي كل عام يحدث هذا الارتفاع وليس من مصلحة جميع الدول وصول الاسعار الى أعلى من هذا السعر.واضاف الدكتور كابلي: بعض قصار النظر قد يرون أن مصلحة بلادنا ارتفاع اسعار النفط الى ارقام قياسية، ولكن حكومتنا الرشيدة لها نظرة بعيدة المدى وهي تؤكد مرة بعد أخرى ان السعر العادل لبرميل النفط يجب الا يتجاوز هذه الحدود، فمصلحتنا على المدى القصير ان يرتفع النفط، ولكن المصلحة على المدى الطويل والتي تنظر اليها المملكة بحكم انها اكبر مصدر للنفط في العالم ان يبقى السعر عادلا وفي مصلحة جميع الاطراف. كما ان ارتفاع اسعار النفط الى ارقام فلكية سيقلل من الطلب عليه ويدفع بالمصنعين الى الاستغناء عنه والبحث عن بدائل غير نفطية. أما الدكتور عبدالوهاب القحطاني عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن فيقول: بنظرة سريعة وموضوعية على تداعيات ارتفاع أسعار البترول، نجد أن الدول المتقدمة في النهاية لن تتضرر كثيرا من تلك الازمة، فالولاياتالمتحدةالامريكية هي الوحيدة في العالم التي تمتلك ماكينات طباعة الدولار الذي يسعّر به البترول في السوق العالمي. كما أن جهازها الانتاجي هي ودول الاتحاد الاوروبي واليابان يتسم بالمرونة التي تمكنهم من استيعاب هذا النوع من الصدمات الخارجية.. وستنقل هذه الدول الزيادات المترتبة على ارتفاع تكاليف الانتاج بها إلى الدول النامية وبمعدلات أكبر من خلال زيادة أسعار صادراتها إليها.وأضاف: على مستوى الدول النامية فإنها تنقسم إلى قسمين، الاول الدول المصدرة للبترول .. والتي يبدو للوهلة الاولى أنها المستفيدة من ارتفاع أسعار البترول في صورة تزايد حصيلتها البترولية.. ولكن من الجانب الاخر فإن هذه الدول ستتأثر سلبا من زيادة أسعار وارداتها المتنوعة، كما تشتد الضغوط عليها في الفترة الراهنة نظرا لتراجع قيمة حصيلة صادراتها واحتياطياتها واستثماراتها بالخارج. أما بقية الدول النامية ومعظمها دول مستوردة للبترول فهي التي ستعاني كثيرا من تلك الازمة. حيث ستنعكس عليها في صورة تزايد عجز موازين مدفوعاتها وديونها الخارجية والانتشار الواسع لمظاهر الحرمان البشري الذي تعاني منه الكثير من شعوبها خاصة في دول إفريقيا.