كل نموذج سيثبت ضلوعه في فساد وظيفي وكل طامع في أموال التعويضات سينال عقابه، وما نتمناه حقيقة هو سرعة صرف التعويضات لمستحقيها وحصر مستويات المتضررين وفق أولويات زمنية عاجلة السلطات المختصة بحصر وتدقيق قوائم المتضررين في سيول جدة كشفت عن حالات تلاعب واحتيال طمعا في التعويضات ، ومنها الإدعاء بوفيات قبل السيول وتسجيلها على أنها حدثت خلال الفاجعة ، وحالات أخرى تم الإدعاء فيها بوفاة أبناء ، ثم اتضح أن هذه الأسماء حية ترزق وتعمل ومستقرة خارج جدة ، العامل المشترك هو (من يربح المليون). وإذا كان الطمع أدى إلى هذا التحايل وجرأة عجيبة على التلاعب من أجل المليون دون وجه حق ، فإن الأغرب والأعجب أن نجد شماتة وشكاوى كيدية بين أشقاء ممن يوصفون ب ( الإخوة الأعداء ) وبدلا من أن يواسوا متضرريهم بحق ، يشتكون عليه بأنه بخير ولم يمسسه سوء وأن منزله وأثاثه لم تنل منه قطرة ماء ، وبذلك يضيع على المتضرر ما يستحق من تعويض حقيقي . أما الأنكى من ذلك والمؤسف ، هو التزوير بإضافة الاسم الواحد إلى كارت العائلة الخاص بالوالد ثم إلى كارت العائلة مع الزوج ، ومرة ثالثة ببطاقة الأحوال الخاصة بالشخص نفسه ،ومن اللافت للانتباه أن من هؤلاء أشخاصاً مسنين أرادوا الاستفادة من تعويضات سواء للوفاة أو أضرار عينية . نحن إذن أمام حالة تحتاج لتحليل وتفسير اجتماعي وأخلاقي .. كيف بإنسان أن يفعل ذلك بدلا من أن يحمد ربه على السلامة والعافية ، وعلى أنه لم يكن في عداد الموتى غرقا وتحت الأنقاض وأن يشكر الله على سلامة أهله ولم يفقد عزيزا عليه في ظروف مأساوية كهذه . لقد كشفت فاجعة السيول الكثير والكثير ضمن ما كشفته من أخطاء وفساد رهن التحري والتحقيق الجاري للوصول إلى الحقيقة ، ولكن في المجمل تكشفت لنا سلبيات وأخطاء وتحايل بصور لم نكن نظن بوجودها في هكذا ظروف قاسية على الجميع ، وهل كنا نصدق أن يوجد إنسان يتمنى لو أن البلاء طال أحد أفراد أسرته ما أن سمع بالمليون ؟! وللأسف هؤلاء فاقوا التمني وأرادوا أن ينسبوا لأنفسهم بلاء على الورق ويستغلوا أسماء موتى لهم أو يدعوا موتهم . إلى هذا الحد ( زغلل ) المليون عيون البعض ، ومن أعيته الحيلة اكتفى بالتحايل لنيل تعويضات على عقار أو أثاث أو سيارة وغيرها ، وهي حق لمن تضرر فعلا لكن المدعين مارسوا اللصوصية بثوب إنساني ، وظنوا أن الحزن العام وكرم الدولة سيجعل أموال التعويضات هبات لكل من يدعي الضرر المادي أو الفاجعة في شخص . الجانب الأخر يتمثل في شكوى المتضررين من تأخر صرف التعويضات حتى يستعيدوا حياتهم العادية ، وهذا التأخير أحد أسبابه الجهود الكبيرة لحصر الحالات المستحقة للتعويضات بدقة ومصداقية ، وتحديد نسبة التعويض ، وكل هذا يستغرق وقتا لضخامة المهمة وتعدد أطرافها .. ولكن إلى متى ؟. أتصور أنه لابد من البدء في الصرف والإسراع به ، مع عدم توقف عمليات التأكد من مصداقية الطلبات حتى بعد أن يتسلم أصحابها التعويض ، فمعظم الحالات بالتأكيد واضحة وتم إثباتها ، وهؤلاء يحتاجون إلى سرعة إنهاء معاناتهم من عدم الاستقرار اليومي في أشغالهم ومدارس أبنائهم. وفي حال ثبوت تحايل وتزوير بعد التعويض تتم معاقبتهم وإن أدى الأمر إلى التشهير بهم حتى يكونوا عبرة لمن تسول له نفسه التزوير والتحايل ، خاصة وأن الجهات واللجان المختصة والوزارات المعنية لا تستهدف فقط صرف التعويضات بل دراسة حالات المواطنين الفقراء لتشملهم بالضمان وهذا ما تفعله حاليا وزارة الشؤون الاجتماعية . عموما هذا درس فضح أوجهاً عديدة لفساد و خراب ذمم وضمائر بأساليب ومستويات شتى ، لكن القاسم المشترك بينها هو الجشع وفي ظروف كهذه، وبالتالي كل نموذج سيثبت ضلوعه في فساد وظيفي وكل طامع في أموال التعويضات سينال عقابه ، وما نتمناه حقيقة هو سرعة صرف التعويضات لمستحقيها وحصر مستويات المتضررين وفق أولويات زمنية عاجلة . أما الأمنية الأشمل هي أن يكون درس فاجعة جدة بكل تفاصيلها منطلقا لتخطيط أفضل ومراجعات جادة لإثبات النزاهة وحملة وطنية للضرب على الفساد بقوة، وحملة توعية تعيد الحياة للضمير وتقوى الله سرا وعلانية .