من رحم القصص المأساوية التي شهدها هذا المكان ، لايمكن الا ان تشتم رائحة الموت والمأسى والاحزان على الاوضاع الصعبة التي كتب سطورها ضيق الطريق الوحيد وشح المياه . هنا الموت قد يكون اسبق لك اذا اصبت باى مرض بسبب صعوبة الطريق خاصة اذا كنت لاقدر الله مصابا بجلطة او ازمة قلبية . انه جبل « السودان « الذى يتمتع بموقع استراتيجي اذ لايبعد عن الحرم سوى 3 كيلومترات . ويحده شمالا دحلة الجن وغربا برحة الرشيدي وجبل قيقعان من الجنوب الغربي ومن الجنوب جبل عبد الخير وجبل سمسم ومن الشرق جبل خندمه الذي يطل على ساحة الحرم المكي الشريف من ناحية الغزة . اختلفت الآراء حول سبب تسميته بهذا الاسم فقيل إن السبب يعود إلى أن أول من سكنه رجل من السودان واستمر في ذلك الجبل فترة من الزمن ثم رحل إلى بلاده ، وقيل أن السبب هو نسبه إلى مجموعة من قبيلة الرشايده إحدى قبائل السودان التي قدمت قبل مئة وخمسين عاما لأداء فريضة الحج واستقرت فيه وعرف من بعد ذلك الحين بهذا الاسم وربما يكون السبب الأخير هو الأرجح . فرغم طول عمر الاستيطان في الجبل الذي أثبتته بعض الصكوك والوثائق القديمة إلا أنه ظل معزولا عن بعض الخدمات .هذا الجبل الشاهق الكبير والممتد لأكثر من ثلاث كيلوات مملوء عن آخره بالبيوت.لا تصعده السيارة إلا من جهة واحدة عبارة عن عقبة كأداء بها ممر ضيق لا يتسع إلا لسيارة واحدة ولاتصعدها السيارة إن لم تكن من النوع قوية العزم . وأنت تصعد الجبل تجد انك تصعد من مرتفع الى مرتفع أعلى وكل جزء أشق من سابقه . والطريق على ضيقه وعر شائك يمر بمنعطفات حادة جدا وبمنزلقات، وتضايقك جدران المنازل من كل جانب فلا تستطيع ان تمر السيارة الا بصعوبة . أما حين تواجهك سيارة أخرى فلابد لواحد ان يعود للوراء في ذات الممر الخطر حتى يجد متنفسا ولو ضيقا بجانبه حتى يستطيع ان يمر الآخر . وفي داخل الأزقة هناك الكثير من البيوت والأحوشة المهجورة التي باتت ملاذا آمنا للمتخلفين والمخالفين لأنظمة العمل والإقامة وضعاف النفوس ليمارسوا فيها كل ما يشتهون .وبين تلك البيوت والأحوشة أنشا أهالي الجبل ممرات لهم يعبرونها بأرجلهم فقط ليصلوا الى منازلهم التي تقبع في قمة الجبل وتلك الممرات عبارة عن درج أو منحدرات لايتجاوز عرضها المترين ويصل طول بعضها الى قرابة ثلاث مئة متر تقريبا ينقل من خلالها مرضاهم بالبطانيات او النقالات الى الأسفل ليتم نقلهم بعد ذلك في السيارة الى المستشفى وعند حصول حريق في هذا الجبل يتكاتف الجميع هناك شيبا وشبانا كبارا وصغارا لمساعدة رجال الأطفاء في مد خراطيم الماء من أسفل الجبل إلى أعلاه وإخماد النيران لأن سيارات الإطفاء لا يمكنها الصعود إلى قمة الجبل لوعورة الطريق وضيقه أمام ضخامة آليات الدفاع المدني. أما فيما يتعلق بالنواحي الأمنية فإن الجبل يفتقد الرقابة الفاعلة المستمرة وقد ذكر بعض الأهالي هناك أنهم لا يشاهدون سيارات الأمن إلا في النادر أو حين حدوث بعض المشاكل. قصص المعاناة كنت اتساءل في نفسي وأنا أتجول في ذلك الجبل عن بعض قصص المعاناة والحكايات المأساوية التي عاشها الأهالي أو حدثت لهم في هذا الجبل بكل هذا العلو والوعوره وقد ألتقطنا أطرافاً من تلك القصص المأساوية من خلال بعض من التقينا بهم في قمة هذا الجبل . يقول المواطن ناصر علي موظف بأحد البنوك الكبرى : وقع قبل عدة سنوات حريق في أحد البيوت المهجورة نتيجة ماس كهربائي وكنا نعرف جميعا أن آليات الدفاع المدني الضخمة لايمكنها الصعود إلى الموقع فما كان منا إلا التكاتف لاخماد النيران بأنفسنا بالتراب والأقمشة والماء بعد أن تمكن أحد الشباب من فصل التيار الكهربائي عن المنزل مشيرا إلى أنه لو تكررت نفس الحادثة فإنهم سيقومون بنفس ماقاموا به في السابق لعدم توسعة الطرق في الجبل ليتمكن رجال الإطفاء من الوصول . وقال عايض الشمراني : أغلب اصحاب المنازل في الجبل يمتلكون نقالة لنقل المرضى إلى الأسفل وخصوصا من كبار السن والمعاقين موضحا انه في قديم الزمان كان الأهالي يستخدمون البطانيات لنقل المرضى أو الأموات إلى أسفل الجبل ثم بعد ذلك يتم نقلهم بواسطة السيارات للمستشفى . وأشار إلى أن هذه الظاهرة مازلت مستمرة حتى الآن وستستمر إلى أن تنظر أمانة العاصمة المقدسة في وضعهم المأساوي بتوسعة طرق الجبل . وقال المهندس عبد الله باعطية : نعاني كثيرا من صعود سيارة الإسعاف إلى قمة الجبل مشيرا إلى أن السبب في وفاة والده رحمه الله بعد قضاء الله وقدره هو هذا الطريق الضيق ، ونحن في هذا الطريق الوعر والضيق صادفنا العديد من السيارات التي أخرتنا كثيرا للوصول للمستشفى وعندما وصلنا كان أبي رحمه الله قد دخل في حالة غيبوبة وتسبب له ذلك في جلطة ثالثة كانت سبب وفاته . وأورد محمد الياسي أن دكانه الصغير أحترق قبل خمسة عشر عاما وأكلت النيران كل شيئ فيه وبعد ان أخمد أهل الجبل النار وصل رجال الإطفاء في سيارات صغيرة وهم يحملون طفايات الحريق في أيديهم لعدم قدرة السيارات الضخمة على الصعود الى قمة الجبل . اهالى الجبل يتطلعون للمستوصف والمياه ويطالب الأهالي في جبل السودان بمد الكثير من الخدمات للجبل ، يقول أبو شيبة زايد الأسمري إن الأهالي في جبل السودان يعانون من ضيق الطرق ووعورتها التي تسبب لنا أزمة في حركة السير لأن الطريق لا يتسع إلا لسيارة واحدة فقط ولو تقابلت سيارتان في آن واحد وهذا الأمر اعتدنا عليه كثيرا فربما يستمر الوضع لساعات طويلة حتى تنفرج تلك الأزمة وهناك الكثير من الأماكن التي زالت منها طبقة الإسفلت الذي تمت سفلتته قبل خمسة وعشرون عاما، ولم تعاد عملية سفلتته حتى الآن .وذكر عيضه عودة الهذلي طالبنا عدة مرات من أمانة العاصمة المقدسة بإنارة الطرق لكي يتسنى للعابرين في هذا الطريق مشاهدة الحفر و حدود الطريق وأورد علي بن محمد أن الجبل بحاجة ماسة إلى مستوصف حكومي يوفر الرعاية الصحية للاهالى الذين تاهوا بين مستوصفي السليمانية والملاوي وهناك منهم لايستطيع مراجعة المستوصفين لكبر سنه أو لعدم توفر وسيلة نقل لديه . وقال عبد الله مسيفر نعاني كثيرا من انقطاع المياه بصفة مستمرة لأن مياه الشبكة تصل إلى الجبل مرة واحدة في الشهر والبعض يجلب صهاريج المياه الصغيرة بمبالغ كبيرة تصل إلى أربع مئة ريال للصهريج الذي يتسع لأربعة الآلاف لتر مستغلين عدم قدرة الوايتات الصعود لقمة الجبل وأشار إلى أن البعض من أهالي الجبل يقوم بتعبئة مجموعة من جراكل المياه لسد احتياج المنزل وأوضح خالد المطرفي أن البيوت والعشش المهجورة في الجبل اصبحت مكانا آمنا لضعاف النفوس لممارسة ما لذ لهم وطاب . وملاذا للمتخلفين والمخالفين يؤويهم من الرقابة الأمنية عليهم . وقال تقدمنا عدة مرات بطلب لأمانة العاصمة المقدسة لإزالة تلك البيوت . اما عبد الرزاق رزيق الخالدي قال أسكن الجبل منذ 42 سنة ودوريات الأمن لازالت نادرة التواجد . ازالة البيوت المهجوة وتكثيف رقابة الامن قال الشريف هيزع العبدلي عمدة الحي إن هذا الجبل يمتد عمره الزمني إلى نحو أكثر من مئة وخمسين عاما وقد كان في البداية عبارة عن مجموعة قليلة من قبيلة الرشايدة ذات الأصول السودانية . يسكنون بيوت وعشش صغيرة بشكل عشوائي . وبدأ بعد ذلك بعض المواطنين ومع كثافة النطاق العمراني في المنطقة المجاورة للحرم المكي الشريف بالصعود إلى قمة الجبل لقربه من الحرم وإقامة منازل لهم هناك . غير أن الجبل بحاجة ماسة إلى الكثير من الخدمات ومنها توسعة الطرق وإنارتها وتكثيف المتابعة الأمنية للجبل وإزالة البيوت المهجورة التي اتخذها المتخلفين وضعاف النفوس ملاذا لهم .