على هامش رسالة من تحت الماء التي صاغها قباني وتغنى بها العندليب الأسمر نقرأ كارثة جدة الغريقة من تحت الماء بالإشارة إلى السيول التي أبكت عيوننا، التي زٌينت بعدسات التجميل،وسرعان ما سقطت يا أيتُّها الآنسةُ الحالمة جدة ، لتُجرجرُنا تلك السيول نحوَ الأعماق ... وليس عندنا تجربةٌ في الغرق ... ولا .. زَورَق للإنقاذ.... أو حتى عكاز . ضحيةٌ من تحت أكوام السيارات والطين وطبقات الإسفلت ، بعيدة كل البعد عن الفن لأنها كانت تكدح ليلاً وتكد نهاراً بحثاً عن لقمة العيش، ولا ذنب لها سوى إنها قطنت الأحياء العشوائية كما يدعون،خرجت بالرسالة من احشاء الشوارع ملطخة بالطين من تحت مياه السيول التي لم نستطع قراءة سطورها الشائبة إلاَّ بمجهر العوام الذي لم يسعفنا لقراءة المزيد في ثناياها بعد أن انقشع عن العروس ثوبها المزيف الذي تعرض لكثيرٍ من عمليات الشق والرقع،ومسحات المكياج الكاذب عن وجهها الذي تعرض لعمليات الشد والمد ،لتنكشف الحقيقة بلا زيف . لو أنِّي أعرفُ أنَّ البَحرَ عميقٌ جِداً ما أبحرت.. لو أنِّي أعرفُ خاتمتي ما كنتُ بَدأت... تعبير عن حال من سكن الأحياء المنكوبة في بطون الأودية التي استثمرت كمخططات سكنية بأسعار في متناول يد الغالبية العُظمى، فلو علموا بالكارثة لاستبدلوها بالخيام والعشش رؤوس الجبال وضفاف الأودية ، ولكنه واقع الحياة يا سادة ، فالعين بصيرة واليد قصيرة ، فالأحياء الشمالية والغربية لا يسكنها إلا أباطرة القوم من ذوي الدخل العالي نظراً لارتفاع أسعار العقار برغم شح البنية التحتية، مع انها على الوجه الأخر للمدينة الحالمة، البحر الذي ليس لنا منه نصيب إلاَ الاسم ، الذي ينعم القليلون بكثيره ، ويحرم الكثير بقليله. إن كنتَ قويَّاً.. أخرجني من هذا اليَمّ.. فأنا لا أعرفُ فنَّ العوم مطالبة بحل كارثة أضخم كارثة وبائية لتوالدِ البعوضِ وتربيةِ الحشرات في الشرق الأوسط «بحيرة المسك» التي لا تمت لاسمها بصلةٍ ، وننعم بلدغِ بعوضها كل ليلة، وتنافس حدائق الفراش في دول شرق آسيا،فالهاجس ما يترتب عليه انفجارها والكارثة ما ستخلفه من انتشار الأمراض البكتيرية وحمى الضنك وغيرها . إلى الضمير الغائب الذي كان حضوره أضعف من غيابه بارتكاب خطأ فادح في عشوائية تلك البحيرة ، بقوله ما لا يفعل ، وفعله ما لا يقول،في تناقض عجيب تختفي فيه المثل والقيم والأخلاق والأمانة بممارسة أتفه الأدوار في مسرح الحياة اللاهثة غير عابئ بالنتائج ، فان ظن أنه منتصر بمفرده، فهو اخسر الخاسرين بمن حوله، لأنه معاد لدينه وأصالته وتقاليده ،مخادع لنفسه ،وطامس منابع الأمل المشرق ، ظالم لنفسه بمخالفة الحقيقة ، ومحاربة الفطرة السوية ، لكلِّ من باع محبة وطنه بقوة سلطته للدمارِ ، والقلقِ النفسي ليخلفه للمجتمعِ ، وغرتهُ أطماع الماديات ،وحب الذات ،فسيلاقي سوء المصير الذي ينتظره كل كاذب مخادع ،في ظلِّ قرارات خادم الحرمين الشريفين حفظه الله الذي يتسم ب «حياةِ الضميرِ... وصدقِ القولِ... وعمقِ الإطلاعِ ...وبُعدِ الرؤيةِ «. فهو المتحرق ..والمتألم لآلام الأمة ،والمتحمل لمسؤولياتها،ناصر لها. فهو كفيل بغربلة الأعمال الزائفة وأصحاب القرارات الكاذبة ... بغربال الصدق والحكمة ، في مثل هذه المواقف . اشتقتُ إليكَ.. فعلِّمني أن لا أشتاق علِّمني كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق علِّمني كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق علِّمني كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق خُطت إلى جدة الغريقةِ بأقلامٍ تتصببُ عرقاً من الخجلِ ... وحبر من الألمِ .. ودموعٍ من الندمِ وحسرةٍ وآسى، ولمن اختارها مدينة للعيشِ الرغد ،وهام بحبها لدرجةِ الإسراف بطوع أرادته، بقلمٍ معقود يجر أحزانه في كلماته ،حتى إذا ما التهبت في سويداء قلبه آهات الأيام ،وأحزان الليالي على فقدِ ذويه، شعر بضيقِ جده وكأنها تطبقه بكلتا يديها . فتتناثرُ ذكرياتُهُ بكلِّ شارعٍ من شوارعِها لحقتْ به الكارثة،مع صحو السماء،ولمن شُغفَ بحبِّ جده الغريقة بأن يقطع جذور هواها من أعماقه ، وليس له عزاء إلاَّ بحبسِ دموعهِ في أحداقِهِ، وإعلان انتحار أشواقهِ إن كُنتُ أعزُّ عليكَ فَخُذ بيديّ فأنا عاشِقَةٌ من رأسي حتَّى قَدَمَيّ إني أتنفَّسُ تحتَ الماء.. إنّي أغرق.. أغرق.. أغرق.. من جده الغريقة تحمل على هامشها مداد من طين ، وهي تشكي هول الكارثة التي صفعتنا لكونها مهزلةٍ من مهازلِ الحياةِ المعاصرةِ نتيجة للكذبِ والتدليسِ الذي أصبح سلعةٌ رائجةً على مستوي الفرد المواطن والمسؤول والمجتمع ،بصوتٍ شاحبٍ، من تحت الأنقاض،ولللجنة الخماسية التي شكلت، بناءً على قرار خادم الحرمين الشريفين حفظه الله الذي قال بحنكته المعهودة : إن من المتعين علينا التصدي لهذا الأمر ، وتحديد المسئولين جهات وأشخاص ، ومحاسبة كل مقصر ومتهاون بكل حزم، دون أن تأخذنا لومة لائم ، من ذمتنا... إلى .. ذمة اللجنة . كم هي كلمات مؤثرة أثلجت صدورنا .