قال الدكتور محمد بن يحيي النجيمي الخبير بمجمع الفقه الاسلامي الدولي والاستاذ بالمعهد العالي للقضاء: إن المفقود بمعنى الضائع ، و شرعا: "هو الغائب الذي انقطع خبره و خفي أثره و جُهل مكانه و لا تعرف حياته أو مماته". وجعل الفقهاء للمفقود أحكاما : فلا تزوّج امرأته ، و لا يورّث ماله و لا يتصرف في استحقاقه إلى أن يعلم حاله و يظهر أمره من موت أو حياة ، أو تمضي مدّة يغلب على الظن أنه مات فيها و يحكم القاضي بموته ، فقد أثبتوا له الحياة هنا باستصحاب الحال الذي هو " بقاء الأصل حتى يثبت خلافه " لقول علي رضي الله عنه في امرأة المفقود : (( هي امرأة ابتليت فلتصبر ، لا تنكح حتى يأتيها يقين موته )) . أما المدة اللازمة لاعتبار المفقود ميتا فيقول الدكتور محمد النجيمي أن الفقهاء قد اختلفوا في تحديد المدة والقول بأن تترك زوجته اربع سنوات هو الرأي المرجوح لدى الفقهاء , أما من وجهة نظري أنا ان حكم المفقود في سيول جدة أو غيرها من الكوارث الطبيعية فيترك للقاضي , الذي قد يحدده بشهر أو اقل أو أكثر , لان الامر قد يلتبس به أمور كثيرة , فقد يكون غرق , أو مات تحت الانقاض , وقد يكون نجا وهرب , وقد يكون اصيب اصابة قوية افقدته الذاكرة , فالقاضي هو المنوط به الحكم بتحديد المدة الزمنية للمفقود . - أما المستشار القانوني الشيخ حمود الناجم فقال : ان هناك لجنة مختصة في جدة لدراسة هذه الحالات , وهي شكلت من قبل الجهات المسؤولة , مؤكدا أنها المنوطة بتحديد ما إذا كان الشخص مفقودا أم لا. وعن الاجراءات التي يجب اتباعها قانونا لاثبات حالة المفقود وحكمه , نصح الناجم باللجوء للجنة المختصة بمعالجة اوضاع المتضررين من السيول , لأنها تضم جميع الجهات الحكومية قبل اللجوء الى القضاء الشرعي لاثبات حالة المفقود. وعن رأي الفقهاء في تحديد مدة الفقد : لقد اختلف الفقهاء في ذلك، حيث ذهب أبو حنيفة إلى أن المفقود لا يعتبر ميتا إلاّ بوفاة جميع أقرانه ، و حدد بعض الحنفية المدة بتسعين سنة ، و هناك رأي آخر لهم يفيد بأن المدة متروكة لرأي الإمام و اجتهاده . و يرى الإمام مالك أن المدة هي سبعين سنة استنادا لما روي في الحديث المشهور : (( أعمار أمتي بين الستين و السبعين )) ، و يروى عنه : " أن من فقد في دار الإسلام و انقطع خبره كان لزوجته أن ترفع أمرها إلى الحاكم فيبحث عنه في مظنّات وجوده بكل الوسائل التي يمكن بها معرفة حاله ، فإن عجز ضرب للزوجة أجلا و هو أربع سنوات فإذا انتهت اعتدت عدّة وفاة و حلّ لها بعد ذلك الزواج بغيره " .و الرأي الصحيح عند الشافعي أن المدّة لا تقدّر بزمن معيّن ، بل إذا ثبت لدى القضاء موته فإنّه يجتهد و يحكم بموته بعد انقضاء المدة التي لا يعيش فوقها غالبا . أما الحنابلة فإنهم يفرقون بين حالين : أ حالة الغياب في ظروف عادية : كمن سافر للسياحة أو للتجارة أو لطلب العلم فإنّ حياة الشخص يحتمل بقاؤها رغم طول الغياب ، و لذلك لا نعتبره ميتا إلاّ إذا مضت مدّة لا يمكن احتمال حياته بعدها ، و هذا متروك لاجتهاد القاضي . ب حالة الغياب في ظروف استثنائية : كمن سافر في سفينة غرقت أو مات بعض ركابها و نجا البعض الآخر و لم تعرف أخبارهم ، أو من كان في صفوف القتال و انتهت المعركة و لم يعد منها ، فينتظر أربع سنوات من تاريخ غيابه فإذا لم يتبين أمره و لم يظهر اعتبر ميتا و لا داعي لصدور حكم قضائي لذلك . و لعل رأي الحنابلة في هذا الأمر هو الأرجح ، و هو أن يفوّض تحديد المدة إلى رأي الإمام . - ويرى الشيخ محمد صالح المنجد ان المفقود هو الذي انقطع خبره ، وللفقهاء أقوال كثيرة في المدة التي تتربصها حتى يحكم بموته ، والذي يرجحه المحققون من العلماء أن تقدير المدة يرجع إلى اجتهاد الحاكم ، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال والأزمان وقرائن الأحوال ، فيُحدّد القاضي باجتهاده مدّة يغلب على الظن موته بعدها ، ثم يحكم بموته إذا مضت هذه المدة ، وتعتد بعدها امرأته عدة الوفاة أربعة اشهر وعشراً وبعد ذلك تحلّ للأزواج .ومن ثم فان حكم المفقود يخضع ؛لاجتهاد القاضي فيحكم بما يراه.