نكون قد كبرنا إذا كانت ثمة تحولات حضارية تعيد صياغة الوعي الكلي، بشروط خلافة الإنسان المنتظرة لإعمار الأرض. ولذلك فإنه عندما تختفي -أو تبدأ بالاختفاء- بعض الظواهر التي استمرأ عليها واقعنا فإننا نكون قد (بدأنا) عامًا جديدًا حقًّا، وإلاّ سنظل نرتهن دائمًا إلى لحظة سكونية واحدة. ونحن نستقبل عامًا جديدًا على أرض بلادنا الغالية، نظل على أمل استقبال آخر لأبرز التداعيات الإيجابية لتراكمات الزمن، أعني التحولات الإنسانية التي تبرز التفاعل الصحيح للإنسان مع لحظته الحضارية التي (ينمو) فيها متحولاً -بالفعل- عن أعوامه المنصرمة، حتى لا نردد دائمًا: إنا نسينا أن نكبر مع كل بداية عام جديد! إننا نكون قد كبرنا إذا كانت ثمة تحولات حضارية تعيد صياغة الوعي الكلي، بشروط خلافة الإنسان المنتظرة لإعمار الأرض. ولذلك فإنه عندما تختفي -أو تبدأ بالاختفاء- بعض الظواهر التي استمرأ عليها واقعنا فإننا نكون قد (بدأنا) عامًا جديدًا حقًّا، وإلاّ سنظل نرتهن دائمًا إلى لحظة سكونية واحدة.. أبرز هذه الظواهر: 1- تصادم الخطابات الأبرز فاعلية في تشكيل الوعي الجمعي، الخطابات الدينية والتعليمية والثقافية والاجتماعية، إذ نكون قد خطينا خطوة إلى الأمام عندما لا يصطدم خطابنا الديني -إجمالاً- مع تجليات الخطاب الثقافي (فلا تحاكم رواية فنية متخيلة إلاّ بشروطها الأدبية الخالصة، ولا يعتاد بعض شبابنا التجمهر الرافض المخرب أثناء عرض مسرحي أو سينمائي بحجة أن منفذيه مخالفون تغريبيون اعتمادًا على مرجعيات دينية شتى في خطابنا الديني). حتى خطاب المؤسسة التعليمية، فإنه يصطدم كثيرًا بخطاب الثقافة -وهما الخطابان الأكثر ملازمة- أو لا يتعالق معه على الإطلاق، فليس ثمة علاقة بين عالم المدرسة وما يجاوره من نادٍ أدبي أو منتدى ثقافي أو جمعية فنية أو صالة لعرض الفنون التشكيلية.. 2- الوصاية -الساكنة في ذهنية المتطرفين من المغرر بهم -على نوايا وممارسات خلق الله بقناعات نهائية لا تستند إلى مفاهيم دينية خالصة، والتي تفضي بهؤلاء الى إيقاف أو تخريب كثير من الفعاليات الثقافية، كالأمسيات الشعرية التي يستضيف فيها أحد أنديتنا الأدبية شاعرًا يكتب القصيدة الحديثة، أو شاعرة تمارس إنسانيتها الثقافية المشروعة، أو المعرض الدولي للكتاب الذي تستضيفه العاصمة الرياض كل عام. هذه الوصاية البغيضة يجب أن تختفي الى الأبد بمناصحة علمائنا الأجلاء ثم بتدخل السلطات المسؤولة، لكي نردد جميعًا: لا.. لهذا الفكر (الطالباني) الذي يقدم خطابنا الديني والاجتماعي للعالم بوصفهما خطابين ضد الحرية وضد الإنسان وضد الفعل الحضاري عامة. 3- الحديث المتكرر عن أزماتنا (النفسية) مع المرأة.. عملها والاختلاط بها وقيادتها لمناصب إدارية أو لمركبتها. هذا الحديث نهذي به كل عام ولا فائدة، لأن المسألة -فقط- مسألة وعي ثقافي بالدرجة الأولى، وعندما تتحقق تلك (المعجزة) لدينا سنجد حتمًا حلاً لهذه الأزمة.. إلى الأبد! 4- غياب اللحظة الجمالية/الثقافية التي يفضي الاستغراق في أغوارها إلى إنتاج فضاءات جديدة لم نعهدها، تتألق برؤى متجددة للأشياء والموجودات،لطالما كانت مقتصرة على نخب محددة من أدبائنا ومثقفينا، غير فضاءات الممارسة الحياتية المادية (من مأكل ومشرب وعقار وأسهم..). وجود هذه اللحظة يشع في وجدان مجتمعنا ثقافة الفرح والجمال والفنون التي تجعلنا (أثرياء) دائمًا بأنفسنا وكياناتها الخاصة، بدون الحاجة لأن نغطي خواءنا بالارتماء في أحضان التجمعات البشرية (البليدة) في المناسبات الرخيصة والاحتفالات المبتذلة، نلوك أحاديث تخلو من سيرة كتاب وحكاية رواية وبراءة اختراع ودهشة لوحة وفتنة الكون عندما يمور بهسيس الأرض وهي تنشد أغنية الحنين. 5- الحضور الفج لأسئلة (نوعية) في وسائل الاعلام المتنوع، تبدأ دائمًا ب(اسألك يا شيخ) عن قضايا لطالما أرقتنا وأرهقتنا وأشغلتنا.. كتشقير الحواجب وصبغات الشعر، والتهنئة ببداية العام الهجري، وتكرار العمرة في رمضان، ورياضة اليوجا. هل لنا أن نصادف هذا العام أسئلة أخرى لمنادين آخرين أو حتى للمنادى الوحيد عن حكم الخروج من أعمالنا قبل الوقت المحدد.. عن حكم المشاريع البلدية المؤجلة.. عن المجاملات والوساطات التي تنفعنا بضرر الآخرين.. عن المشرعين وأصحاب القرار في مؤسسة من مؤسسات بلدنا وهم يعملون في عالم نظري ورقي بلا نتائج ومخرجات، أو هم لا يخططون أصلاً.. عن الذين يقفون في وجه كل مشروع ثقافي، أو إنساني نبيل.. عن الذين تسببوا في هلاك مدينة بكاملها 6- استمرار غياب لجنة عليا محايدة -أو تحت أي مسمّى آخر- تشرف على كل خطط البنى المؤسساتية.. تحدد بنزاهة معوقات المواطنين.. تراقب تصريحات المسؤولين ومدى مطابقاتها على الواقع المتحقق.. تقدم الوثائق والإحصاءات والدراسات التي تعتمد عليها الإجراءات العمرانية للبنى التحتية.. تكتب لكل الجهات الحكومية الحلول الناجعة للتعامل الأمثل مع الأزمات والكوارث الطبيعية.. لجنة لا تخاف في الله (كائنًا من كان). 7- استمرار امتداد البعد الزمني للمطالبات القضائية وتفاوت الأحكام القضائية مع تطابق الحالات المخالفة، فشاب سارق لثلاثة رؤوس من الأغنام يحكم عليه بسنة كاملة، وألف جلدة في محكمة ما، في حين يحكم على آخر في الجرم نفسه بتنظيف مسجد الحي (آه.. يا جدة! ماذا عن الذين سرقوك -بالكامل- وتركوك معلقة على مشانق الموت المائي؟).. وفي فضاء قضائي آخر، هل لا يزال حفظ أجزاء من القرآن الكريم عقوبة مناسبة على جرم ما في بعض محاكمنا؟! * وبعد، فهل لي أن أدعوكم جميعًا لأن تجعلوا هذه (المقاربات السبع.. فقط) في ذاكرتكم، بدءًا من هذا اليوم وإلى اليوم ذاته من العام التالي، لنتابع جميعًا هل كبرنا بالفعل؟ هل اكتسبنا الوعي الحضاري الصحيح؟ هل تقدمنا خطوة إلى الأمام، أم أننا نسينا مع الزمن أن ننمو ونكبر ونتحول (كالعادة، والعادة سعادة كما يقول حكيمنا سراج دائمًا). [email protected]