هندسة الحب.. هندسة الكلمات.. هندسة عالم حسي يعيد للنص الشعري لياقته من خلال رحلة استكشافية لمخيلة زاخرة بصور فنية متجانسة مع عالم اللاواعي. ديوان «هندسة الحب» للكاتب والشاعر «مصطفى سعيد» من الدواوين التي تغازل فينا روح الإبداع، وتحثّنا لنروي ظمأ أرواحنا بقصائد حقيقية تحمل الجديد في صناعة القصيدة. يبدأ الشاعر «مصطفى سعيد» ديوانه بقصيدة: «مرايا»، يقدم لنا بداية ذكية مع قصيدة تحمل إشارة استفهام لشخصية الحبيبة، وقد يراودنا سؤال ترى كيف استطاع الشاعر احتواء حبيبته التي لا تهتم سوى بطلاء أظافرها؛ حيث يمسك الشاعر بيدي القارئ، ويجلسه في قارب الكلمات: «أن دمعك سال ليس من أجل تيهي.. بل من أجل طلاء أظافركِ». حاول أن يسيّج النص بصياغات مدروسة يتوازن بها بين الشكل الفني للنص، والمضمون الواقعي.. وهو يوظّف مفرداته بطريقة سلسة حرة تطير في فضاء المعنى. «تُشرقُ مع كلّ فصلٍ حفنةُ ألم» «ألعقُ كدماتِ الزمنِ منتعلاً خفَّيْ موتٍ أزرقَ» «منذرٌ أنا بريشةِ بومة.. منذُ عطسةِ الخريفِ الأولى..» «وروحكِ غذاءُ البشرِ المنسكبِ بآنية الله..» اعتمد الشاعر على لغة سريالية تضج بإيحاءات حسيّة، لتصبح السريالية المادة المعرفية التي تروض الشكل الفني في نفق المضمون، لينسجما معًا في صبغة وجدانية واعية. « كان الغمام فوقكَ كسقفٍ رَّخوٍ سينهارُ، مثلي.. حزناً عليكَ». منذ القصيدة الأولى والشاعر يخفي تهكّمًا عميقًا ليروي للقارئ هندسة عشقه؛ وهو يكتب على هضبة الذات حزنًا هادئًا، كلما اجتزت حدود قصيدة لترتاح من معاناة الشاعر، حتى تلهث قصائد أخرى تحمل أنين الشاعر، وقلقه كما في قصيدة «عجينة الله» وقصيدة «انتنٌ محنط» وقصيدة «الوباء» يحمل الشاعر أوجاعه لينثرها بنعومة في روح القارئ: «يطالبُني القدرُ ملءَ فمِه أن أكتمَ قيحي.. سأدخنُ لفافةً مغمسةً بدمي..». تحايل الشاعر في أدواته ليحاول ترجمة مشاعره بلغة مهذبة مصقولة بحس وجودي مكثف، وهو يهندس الكلمات ليروي للقارئ بهاء حبيبته: « شرسٌ بهاؤُكِ حَدَّ الانكبابِ» «تمددتْ سخونتُكِ في ثلاجةِ الموتى..». أخذنا الشاعر إلى قعر محنته، وهو يواجه خداع الحبيبة، ويشفق على نفسه كيف كان يصدقها، وكم كانت السنين ضيقة وحالكة: «تبكي الفترات علي لما أيقنتك متأخّرًا ضيقة كانت السنين حالكة بلا طين». فيما بعد الفراق يحاول الشاعر استرجاع الوقائع من وجهة نظر أحادية، حيث يلوم الحبيبة كما في قصيدة «الضوضاء»: «لكنك ظننتِ أني قطعة غباء.. في صيدليةٍ دنيوية أستخدم ربما للطوارئ يومًا.. ثم تقولين إني خدعتكِ» حملت بعض القصائد عناوين كبيرة، لكنها لم تبهر القارئ في مضمونها، بل كانت ضعيفة قياسًا بباقي القصائد كقصيدة « الكوكب الزيتي»: «الفضاءُ رحبٌ مثلَ صدري. النجومُ ثابتةٌ. مصابيحُ بأيدِي الملائكةِ..». وقصيدة «ابن الكون». «تسألينَ.. مَن أكونُ.. أكونُ من.. لا أدري..». استطاع الشاعر أن يهدينا من خلال هندسة حبه أجزاء من حياته من خلال قصائد مهذبة؛ تحمل صبغة وجدانية عبر تراكيب قوية مرصعة بمفاتن لغوية كتعبير صادق لمشاعره، وما يحمله اتجاه حبيبته.