كان هناك حدث بارز في الاحتجاجات التي اشتعلت مجدداً بمناسبة يوم الطالب في جامعات عديدة من مدن الجمهورية الإيرانية وهذا الحدث يحمل انكساراً خطيراَ لحركة الثورة المدنية في الجمهورية الإيرانية نستطيع الآن أن نعتبرها مؤشراَ واضحا لتجاوز هذه الاحتجاجات لسقف تيار الإصلاح الديني داخل مؤسسات الثورة في طهران. ورغم أن مشهد إحراق صورة الزعيم التاريخي للثورة الإيرانية السيد الخميني والمرشد الأعلى الحالي السيد علي الخامنئي والذي جرى ضمن هذه الاحتجاجات الطلابية، كان مثيراَ للغاية أمام عدسة الكاميرات والبعد الرمزي التاريخي الحساس لتاريخ الثورة الإيرانية مما دفع الزعيم الإصلاحي مير حسين موسوي إلى اتهام الجهات الأمنية المناهضة له باختلاق هذا المشهد تمهيداً لتحرك الحرس الثوري لحركة قمع واسعة في الصفوف الإصلاحية، إلا أن الحدث الذي نعنيه كان أهم دلالة وهو هتافات الطلاب الإيرانيين التي تصاعدت في يوم الاحتجاج موجهة إلى السيد موسوي والزعماء الإصلاحيين في التيار الديني تطالبهم بالكف عن التدثر بعباءة النظام وحسم المشروع السياسي الذي ينتمون له بإعلان فصل الدين عن الدولة. وفي موازاة هذا التصعيد الشبابي والطلابي الخطير والذي تشير شواهد عديدة على تزايده وشعبيته في الأوساط العمرية الشبابية وقوة تنظيمه المدني وتطوير حركته الاحتجاجية التي لم يستطع الحرس الثوري ولا الباسيج ولا القوات الحديثة التي شكلت من متطوعين مناصرين لخط السيد الخامنئي من إخماد هذا الحراك الشبابي المتزايد، ويمتد معه في خط موازٍ استعادة حركة اليسار الإيراني لدورها التاريخي في المجتمع الفارسي منذ حكومة مصدق وصولاً إلى وحدة التيار مع حركة الزعيم الخميني التي أسقطت الشاه ثم تعرضت بعدها الحركة لحملة استئصال عنيفة في الداخل وفي المنفى نفذتها السلطات الإيرانية على وجبات دموية وسياسية من خلال صفقات مع العالم الغربي أو العمق الإقليمي. ورغم أن حركة مجاهدي خلق وزعيمتها السيدة مريم رجوي شكّلت حضوراَ لافتا في هذه العودة إلى المسرح السياسي الداخلي الإيراني إلا أنّ ظاهرة تشكل الحركة المدنية اليسارية الجديدة تبدو في إطار مختلف عن الولاء المطلق لحركة مجاهدي خلق ويتبين ذلك من خلال بروز عنصرين مهمين في الثقافة الإيرانية المعاصرة ذات حضور في حركة الاحتجاج وهما مدرسة الثورة ضد الاستبداد الديني والسياسي التي مثلها المفكر الراحل الأستاذ علي شريعتي وتم إحياؤها بكثافة مؤخراً وهي مدرسة تعتمد الدين كتصور شامل للحياة لكن وفقاً لأجندة مدنية صارمة تنتقد بشدة حالة الكهنوت والتقديس وتدخل رجال الدين في الشأن العام للحياة المدنية وهي فكرة تصطدم بالفعل مع ثقافة الفقه الشيعي الجديد للثورة الإيرانية بجميع مؤسساته الموالية لفكرة ولاية الفقيه التي ترفع الحاكم الديني عن نطاق المساءلة. وأما العنصر الثاني فهو قناعات شبابية حديثة صنعتها ردود الفعل على الحالة الاجتماعية والثقافية للحياة السياسية والمدنية بعد قيام الثورة وهي تتقاطع وتسترشد وإن نسبياً بثقافة المجتمع المدني الغربي الحديثة وقيم الليبرالية الرئيسية وإن كان ذلك ليس مرتبطا بالضرورة بالمؤسسة الغربية الرسمية كما يروجه خطاب خصومهم في الداخل الإيراني إلاّ أنّ تأثير الإعلام الغربي بارز فيها وهذا الإعلام بلا شك له علاقة مباشرة مع واشنطن وحلفائها، ومع كل ما تقدم يتضح لنا جليا أن حركة الاحتجاج الإيرانية تتجاوز قضية الانتخابات وتتجاوز سقف التيار الإصلاحي الديني داخل النظام وتتمدد أفقيا وعمودياً وكأنما تتخلق ظاهرة جديدة من الثورة المدنية الاجتماعية والثقافية والسياسية تشابه أحداث عام 1979م حين سقوط الشاة وإن اختلفت الشخوص وبعض التيارات الفكرية فهل أضحت الاحتجاجات بالفعل ثورة لإسقاط الثورة..؟ هذا ما سيتضح لنا من مستقبل الأحداث الساخنة في طهران.