لم تخلف كارثة السيول في جدة خسائر في الارواح والممتلكات فحسب .. بل خلف خسائر اخرى في نفوس الذين عاصروا «سيل الاربعاء» الذي سيظل عالقا في الأذهان لسنوات طويلة ، وهو ما دعا الكثيرون الى المطالبة بإنشاء عيادات خاصة لمعالجة متضرري تلك السيول خاصة الأطفال الذين تابعوا هذا الكابوس وكأنه «فيلم رعب» شاهدوه على شاشة الحياه كحقيقة ماثلة امامهم . نظرة واحدة الى صور شوارع الاحياء المتضررة من السيول قد تترك في من رآها اثرا نفسيا غائرا فما بالنا بمن عاصر المآسي وشاهد احد افراد اسرته اما ميتا او مصابا او شاهد منزله يدمره السيل وسيارتها تجرفها المياه المندفعة بقوة . لهذا السبب اتجهت “«المدينة» الى الدكتورة منى الصواف استشارية الطب النفسي وعضو الجمعية السعودية للطب النفسي لمعرفة تاثير السيول وما تركته من حزن وما هي الاعراض والعلاج . قد يتحول الحزن عند بعض الأشخاص إلى حالة مرضية تستوجب العلاج التدعيمي بصوره المختلفة . ويحدث ذلك عند الفقدان المفاجئ نتيجة كوارث أكثر من المتوقع لدى الشخص العادي . اما الأشخاص المعرضون للحزن المرضي فهم : الذين يعيشون في عزلة اجتماعية ، و الذين يعتقدون أنهم السبب أو انهم هم المسؤولون عن وقوع الكارثة ، و الذين عانوا من صدمات نفسية بعد فقدان عزيز خاصة في فترة السنتين التي تسبق الحادثة (الكارثة) ، و الأشخاص الذين كانوا يعتمدون اعتمادا نفسيا كاملا على المتوفى. وهناك اعراض مصاحبة للحزن المرضي هي : حدوث أعراض اكتئابية مثل اضطراب النوم ، فقدان الشهية اضطرابات في مستوي النشاط الاجتماعي للفرد ، الشعور بالحزن المضاعف والذي قد يصاحبه أفكار انتحارية نشطة ولمدة لا تقل عن أسبوعين .. و سماع صوت الشخص المتوفى أو تقمص صفات الشخص المتوفى .. و الاعتقاد بأن الشخص سيموت بنفس الطريقة التي توفي بها العزيز المعني .. كذلك الاعتقاد الجازم بأن الشخص المتوفى لا يزال حيا . والسؤال : كيف نساعد الشخص الذي يعانى من الحزن المرضي ؟ .. هناك عدة وسائل هي : تخفيف أعباء المسؤوليات اليومية عليه قدر المستطاع .. طلب المساعدة والمشورة من المختصين سواء عن طريق أحد مراكز الرعاية الأولية أو عن طريق أحد مراكز الخدمة النفسية التطوعية والموجودة في الأماكن التالية : مركز حي السليمانية «خط ساخن 2521516» و مركز صحي السامر شرق الخط السريع «خط ساخن 0594366986» وكذلك موقع الجمعية السعودية للطب النفسي www.saudipsych.org . ومن ضمن الوسائل ايضا : محاولة الاحتفاظ بكل الأدوية أو الأسلحة والأدوات الحادة والخطرة بعيدا عن متناول الشخص المعني .. و تقديم الدعم الديني عن طريق لجنة الإرشاد الديني التطوعية . ومن الأفضل تقديم المعونة دون إثارة الأحزان أو زيادة اللوم على الشخص المعني . وهنا يجب ملاحظة أن بعض هذه الأعراض قد تعاود الشخص مرة أخرى خاصة في المناسبات و الأعياد أو الذكرى السنوية للحادثة. الحزن الطبيعي بعد الكارثة الحزن ردة فعل طبيعية وشعور طبيعي نتيجة فقدان عزيز. وتظهر أعراض الحزن الطبيعي في أول لحظات سماع الخبر ويظهر على هيئة الأعراض التالية .. في البداية : الشعور بالتنميل والحيرة مع عدم التصديق لما حدث - الصداع والبكاء - الشعور بالضعف و الإعياء العام - انخفاض الرغبة في الأكل وقد يصاحبه فقدان الوزن - الصعوبة في التركيز والنسيان المؤقت - اضطرابات النوم والأحلام المزعجة - لوم النفس قد يظهر ولكن لفترات بسيطة ووقتية آنية - الشعور بالذنب خاصة إذا كان الشخص هو الناجي الوحيد من الكارثة - الخوف من تكوين علاقة جديدة مع الآخرين اعتقاداً منه ( الشخص الذي يعاني) أنه في ذلك خيانة لذكرى المتوفى {قد تستمر هذه الظاهرة لعدة أشهر} - الرغبة فى الاحتفاظ ببعض الممتلكات الشخصية للمتوفى. ويمر الإنسان خلال فترة الحزن الطبيعي بأربع مراحل يمكن تلخيصها بما يلي: المرحلة الأولى : في البداية الشعور بعدم التصديق لما حدث ونفي حدوثه قد تستمر هذه المرحلة من دقائق إلى أيام ثم تخف حدتها. المرحلة الثانية : هي مرحلة البحث المكثف عن الإنسان المتوفى أو المفقود – تنتاب الشخص حالات من التوتر والتحفز والنشاط الجسدي المكثف – تستمر هذه الحالة من شهور الى عدة سنوات . المرحلة الثالثة هي مرحلة الاعتراف بما حدث وبدء تقبل الأمر الواقع. المرحلة الرابعة هى مرحلة إعادة تنظيم الحياة مع القناعة بما حدث وحالة الحزن تبدأ تخف حدتها ويصفها الشخص المعني بمرحلة العودة الى الحياة. ويأتي السؤال : كيف أتعامل مع حالة الحزن الطبيعي التي أمر بها ؟ .. والاجابة تكمن في : أولا هي مرحلة طبيعية من الانفعالات المصاحبة للصدمة. ثانيا المحاولة لمشاركة الآخرين معك في مشاعرك مع البوح بما تشعر به معهم. ثالثا البكاء يساعد على تخفيف آثار الصدمة . رابعا قراءة ما تيسر من القرآن الكريم والأدعية النبوية التي تساعد على الاسترخاء. العلاج التدعيمي النفسي للحزن والعلاج التدعيمي النفسي للحزن هو احد الطرق العلاجية التي تعتمد على تقديم الدعم النفسي والعلاج المعرفي لمن يعانون من الحزن المرضي بعد فقدان شخص عزيز ولم يستجيبوا للمساندة والدعم المقدم من باقي أفراد الأسرة أو الأصدقاء. اما الأشخاص المستفيدون من هذا العلاج فهم : الأشخاص الراشدون {بعد سن 21 سنة} والذين يعانون من أعراض الاكتئاب المصاحبة لفقدان عزيز بعد مرور مرحلة لا تقل عن أسبوعين من حدوث الكارثة .. والذين لديهم شعور بالغضب أو مشاعر سلبية تجاه المتوفى. يتم العلاج الدعمي النفسي للحزن بالتالي : يجب أولا على المعالج أن يكون متقبلا لفكرة الموت وليس لديه أي مشاعر مختلطة من التحدث عن الموت وفقدان الأحبة ، كما ويجب أن يكون لديه قدر من الثقة بالنفس وخبرة جيدة في التعامل مع مشاعر الحزن والاكتئاب. وقد ينشأ خلال الجلسات العلاجية فترة مؤقتة من اعتمادية الشخص المصاب على المعالج في تدبير وإدارة المشاعر وهو شعور طبيعي ويزول بعد استعادة الشخص الثقة في نفسه والوصول إلى مرحلة القدرة على تعريف وتحديد المشاعر. ومن الأفضل أن تكون الجلسات العلاجية التدعيمية في مجموعات من الأشخاص الذين يعانون من نفس الكارثة أو الحدث . ويجب تشجيع الشخص على التحدث عن مشاعره ومخاوفه وتفريغ شحنات الغضب السلبية .. تشجيع تكوين وتنمية العلاقات الإنسانية الايجابية خلال هذه الفترة والابتعاد عن العزلة. و تعتبر هذه الطريقة العلاجية من أكثر الطرق نجاحا خاصة في مساعدة الأشخاص الذين فقدوا أزواجهم أو زوجاتهم. تشجيع مجموعات الدعم الذاتي من واجبات العاملين في مجال الصحة النفسية توعية المجتمع بالخطوات الوقائية التي تساعد على تخفيف ردود الفعل للكارثة والحد من آثارها عليه. و من واجبات العاملين في مجال الصحة النفسية توعية المجتمع بالخطوات الوقائية التي تساعد على تخفيف ردود الفعل للكارثة والحد من آثارها عليه .. وهي : معرفة نوعية الكارثة ومدى آثار الصدمة الناتجة عنها .. ومعرفة نوعية الجمهور المتلقي للدعم .. ومساعدة المجتمع على تخطي الخوف من المجهول (احتمال تكرار حدوث الكارثة) ومساعدته على تخفيف حدة هلع ترقب الكارثة بإرشاده إلى التصرف الملائم حال وقوع الكارثة (دور الدفاع المدني) وإعلام المجتمع بدقة عن الجهات التي يمكن الاتصال بها لطلب المساعدة .. و اختيار العاملين في مجال الصحة النفسية للتعامل مع الكوارث يعتمد على عنصرين رئيسين: إبعاد الأشخاص الذين لديهم مقاومة خفيفة للصدمات واختيار الأشخاص الذين لديهم القدرة على التكيف وحسن التصرف في الأزمات. وهنا يجب الاستعانة بسجلات الكوارث المشابهة في السابق أو في المجتمعات الشبيهة والاستفادة منها .. والقدرة على تطبيق بعض أنواع العلاج الجماعي مثل الاسترخاء بكل أنواعه .