ليس هناك أخطر على الأوطان والشعوب من مجموعة الطبالين والزمّارين الذين لا يجيدون سوى حرفة المديح. الأوطان بحاجة إلى المصارحة لكي تنمو، والشعوب بحاجة إلى الأوفياء الذين يصدحون بكلمة الحق لكي تزدهر. أما الذين يزينون الواقع البائس ويجتهدون في نقل صورة وهمية لما يجري على الأرض، فهم أسوأ الناس دينا وخلقا وكفاءة. وعاقبة تولية أمثال هؤلاء، هي عاقبة وخيمة على البلاد والعباد. الذين لا يرجون مصلحة شخصية ضيقة من وراء النصح الذي يقدمونه والرؤى التي يطرحونها هم فقط من يمكن الاستفادة منهم. على شرط أن يكون هؤلاء من أصحاب الكفاءة ورجاحة العقل والعلم.. مثلا لو استمع الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه لأبي ذر رضي الله عنه، لما وقعت الفتنة. ولو استمع عثمان رضي الله عنه لعلي كرم الله وجهه لقُمعت الفتنة في مهدها. لكن مشيئة الله سبحانه سلطت على المسلمين في تلك الحقبة أصحاب المصالح الشخصية فوقعت الفتنة وتحول بأس المسلمين بينهم بدلا من أن كان على عدوهم. هذا في عهد الصحابة أنفسهم فما بالكم بعهودنا التي أصبحت الدنيا فيها هي غاية هَمّ معظم الناس وأصبحت دناياها هي مبلغ علم الغالبية منهم. إن الوطن لن يستفيد ممن يمدحه ويعدد منجزاته، والأمانة التي تحدث عنها خادم الحرمين الشريفين في أمره التاريخي لا يمكن أن يقدر على أدائها جوقة الطبالين والزمارين والمدّاحين. هؤلاء هم العدو الأول للوطن.