يحرص العديد من العائلات في منطقة عسير على تقديم وجبة المشغوث في كثير من مناسبات الأفراح والأعياد، ولعل حرص الكثيرين على تناول هذه الوجبة اللذيذة التي تتكون من السمن البلدي والعسل ودقيق البر أو الذرة، لهو مؤشر على تمسك الأجيال المتعاقبة بجودتها ومذاقها الخاص عبر السنين. يقول المواطن مشرف عبدالله، وهو من المهتمين بالموروثات الشعبية: إن وجبة المشغوث تعد من الوجبات الشعبية الرئيسة منذ القدم، وهي محببة إلى نفوس الكثيرين، ومنهم فئة الشباب، وتعتبر من أفضل ما يُقدم للضيوف في الأعراس والمناسبات المتنوعة، وتقدم صباح يوم العيد عندما يجتمع الاقارب والجيران كونها ذات مذاق رائع، ولما تحويه من سعرات غذائية يحتاجها الجسم. وحيث يلزم إعدادها توفر بعض الإمكانات منها، وجود النساء الماهرات والمتمرسات في إعدادها، علاوة على النشاط البدني أثناء تجهيزها حيث أن عملية تحريك مكونات المشغوث في الإناء المخصص لذلك بواسطة أداة تسمى “المسوط” وذلك بإحدى الأيدي، وصب الدقيق باستمرار ليمتزج باللبن باليد الأخرى، لمدة ساعة ونصف تقريبا فيه جهد ومشقة على النساء اللواتي يقمن بتجهيز هذه الوجبة، كذلك الدقة في توزيع مقادير المشغوث والتي ينبغي ان تكون من الإنتاج المحلي عالي الجودة كتوفر دقيق الذرة الجيد الناصع البياض واللبن الخالص، والسمن والعسل البلدي، لكي تخرج بمذاق يستحسنه الجميع. وتعمد شرائح من المجتمع إلى استخدام الأواني القديمة أثناء تقديمها إحياء للتراث القديم ولما تضفيه من نكهة رائعة، والاهم جودة تلك الصناعات والتي أثبتت نجاحها بالرغم من التطور الذي بلغته الصناعات الحديثة. ونظرا لأن البعض من الأشخاص ولاسيما الشغوفين بوجبة المشغوث عندما يقصدون محلات بيع الصحاف يندهشون من كثرة المعروضات، وبخاصة التي يجلبها الباعة من خارج المملكة، ما يجعلهم يقعون في حيرة من أمرهم عن ذات الجودة من المقلد غير الصالح للاستخدام. وقد أفادنا عن ذلك العم مشبب بن غرسان الشهري وهو أحد أبرز النجارين المبدعين في صناعة الصحاف بمنطقة عسير، فيقول: المشغوث وجبة شعبية تقدم في “الصحاف”، وهي التي تستخدم من منذ القدم في تقديم الطعام للضيوف وهي مصنوعة من أنواع معينة من جذوع الشجر، وكانت تمثل في الماضي أهمية كبيرة عند عامة الناس، حيث كانت مصدر افتخار للجميع دلالة على الكرم والجود، في حين كان البعض يستعيرها من الأقارب أو الجيران ليقدم فيها المشغوث للضيوف. وأضاف بقوله: يعد شجر الغرب من أجود أنواع الأشجار التي تصنع منها الصحاف ويعيش هذا الشجر في بطون الأودية التي تكثر بها المياه الجارية، وهناك نوع غير جيد من أنواع الغرب وهو ما يسمى ب”الخور” حيث يعمل على حفر العود وهو يأتي من قلة المياه ويؤدي إلى عدم صلاحيتها، والكثير من الناس يرغبون عند شرائهم الصحاف ألا تكون مطلية بالقطران لأن ذلك قد يخفي بعض العيوب من تشققات ورقع وغيرها، وفي الوقت الحاضر انتشرت صحاف “الكينة” حيث يأتي بها الباعة من بعض الدول المجاورة، والملاحظ أن بعض المواطنين بدأوا يميلون إلى شرائها لرخص ثمنها، ولكن مع استخدامهم المستمر لها بدأوا يلاحظون تصدعها لعدم تقبلها للحرارة حينما يوضع فيها البر والسمن وهما ساخنان. أحد المسنين ويدعى فائز سعد يؤكد بأنه يحرص دائما على تناول المشغوث في وجبة العشاء تحديدا، كونها سريعة الهضم ومريحة للمعدة، ولا يلزم عند تقديمها وجود السمن أو العسل، بل يمكن تناولها مع اللبن. وقال: إن الضيوف وبخاصة كبار السن يفضلون وجود المشغوث بدلا من الأكلات الأخرى كالكبسة واللحم، لتعلقهم بمذاق هذه الوجبة منذ زمن بعيد.