لم تكن الأمطار التي جادت بها السماء على جدة، قبل أيام بالكميات الكبيرة، ولم تستغرق وقتًا طويلاً مجرد دقائق، ثم تعرّت أمانة جدة، وانكشف التلاعب وسوء التنفيذ لمشاريع تصريف مياه الأمطار، والتي بلغت عقودها أكثر من ملياري ريال، ثم مجرد قطرات من ماء السماء تضع جدة فوق بحيرات سبخة وطينية داكنة وسوداء، ولله جنود من مطر يأبى الله إلاّ كشف زيف تصاريح المسؤولين وادّعاءاتهم اليومية بأن لا خوف من الأمطار بعد الآن، هكذا بضع قطرات تهزم المليارات!! في يوم الأربعاء 17 ذي الحجة 1428ه، 26 ديسمبر 2007م نُشر خبر اعتماد أمانة جدة خطة العمل الرئيسية لتصريف ورفع مياه الأمطار لعام 1429ه، وتهدف الخطة إلى تصريف ورفع مياه الأمطار التي تتجمّع في التقاطعات والشوارع الرئيسية والداخلية والساحات من خلال استخدام شبكة التصريف والتوصيلات، أو بواسطة الناقلات، تمشيًا مع المشاريع المستحدثة في محافظة جدة، وفي يوم الاربعاء 8 ذي الحجة 1430ه انكشف زيف التصريح، وكذّب المطر كل ادّعاءات الخطة، ومضى الناس في الشوارع يغرقون، وتتعطل حركة المركبات، ولازالت المليارات تصرف على مشاريع لا تستطيع تصريف قطرة مطر، أظن أن سياسة عقود الباطن في المشاريع الكبيرة، والتي تحتاج إلى تخصص ودقة في التنفيذ، أسلوب عقود الباطن هو أكبر ضرر على مدينة جدة والناس، في الواجهة شركة كبيرة وعريقة، وذات خبرة واسعة، ومن خلف الستار مؤسسات مهترئة، وعمال بالأجر اليومي، وبما أننا بيئة صحراوية لا خبرة لنا ولا لشركاتنا بالأمطار وتقديراتها، لماذا لا تتعاقد الأمانة مع شركات أجنبية بدول ذات أجواء ممطرة يوميًّا طوال العام، تنفذ مشاريع تصريف الأمطار، بعد أن ثبت فشل جميع الحلول والمشاريع السابقة بسبب خلل في الذمة والأمانة أولاً، والخبرة ثانيًا. هل يقوم المطر بالدور الرقابي، المطر نعم الرقيب، ونعم المفتش الذي لا يحابي، ولا يجامل، ولا يخاف، ولا يسكت عن هطول الفساد في مشاريع الأمانة، حين تتوقف أو تعجر أجهزة الرقابة والتدقيق والتحقيق بحكم الصلاحيات، أو بحكم عدم الاختصاص، أو بالبعد النسبي عن الحدث.. فإن الله يرسل جندًا من جنده، قطرات مطر صغيرة الحجم كبيرة المعنى والأثر، لكشف قصور تنفيذ المشروعات والخطط الاستباقية في معرفة، أو التنبؤ، والتحسب لآثار السيول والأمطار على الناس في المباني والشوارع، والأحياء والمزارع والقرى والأودية، ليس النجاح الإداري بأن تصرف على مشروع ما، ولا استلامه ابتدائيًّا ولا نهائيًّا، لكن العبرة والمحك فائدته وقت اللزوم وقت الحاجة الملحّة له، وقت أن يضارّ الناس.. وليس قدرة القرار الاداري والمالي الناجح أن تخفف عن الناس الضرر، بل النجاح الأوكد أن لا يتضرروا أصلاً . كثير من الإدارات الخدمية، غزارة في المشروعات، ورداءة في التنفيذ، وسوء في التوزيع، عشرات المليارات تصرف سنويًّا لمعالجة تصريف الأمطار، والحد من أضرارها، ثم النتيجة مئات المستنقعات، وانجراف الطرق، وتعطّل مصالح الناس، وفي النهاية اعتماد جديد لمشروع جديد، ومطر جديد يضع النقطة فوق القطرة، ليعرف الناس أن الفساد المالي والإداري حين تصمت عنه الأجهزة الرقابية يفضحه المطر، فتمتلئ القائمة السوداء بالمفسدين، لك الله يا وطن الخيرات.