عندما أهداني الصديق العزيز الدكتور علي العُمري كتابه (سلفي في الكافيه) مع كتابين آخرين، استهواني العنوان كثيرًا؛ لخروجه عن المألوف، ولأنه عرّف السلفي بداية بأنه ذلك الذي: (ظنّوه من بُعد شابًا صحويًّا، ماضويًّا، درويشًا، يقعد على الحصير، ولكنهم اكتشفوا أنه طفل، يستقرئ التاريخ، ليرسم لوحة المستقبل). سطور خُطّت في لندن، فكان مضمونها حرًّا طليقًا، يزخر بالمعاني الجميلة، وبالوقفات الرائعة، حتى عناوين فصوله كانت جاذبة مختلفة من شاكلة: (شيوخ جحا، وارتقى مرتقى صعبًا، نقطة.. من أول السطر، الفرزدق العلماني، جار ومجرور، وحج ولم يعد..) وفي المقابل ذكّرتني سالفة الكافيه بشيخ جليل اسمه (مبروك) عايشته في نهاية السبعينيات الميلادية عندما كنت طالبًا أحضّر لدرجة الدكتوراة في الولاياتالمتحدة. كنت في مدينة صغيرة شمال ولاية كلورادو، وعلى بعد 50 كم تقريبًا، عاش شاب عربي هارب بدينه ونفسه من جحيم لا يُطاق. وكان من رجال التبليغ البسطاء الذين لا يخوضون في سياسة، ولا يحومون حولها.. هدفهم الدعوة إلى الله في أبسط صورها: صحة العقيدة، والتزام السنّة في الشكل، وممارسات الحياة اليومية من أكل وشرب وحركة ونوم، حتّى في بيت الخلاء. وكان الشيخ (مبروك) يرتحل من مدينة إلى أخرى داعيًا إلى ربه بأسلوب ثابت، ومنهج لا يكاد يتغيّر، تعلو وجهه البسمة دائمًا.. صابر محتسب على أذى بعض الشبان العرب الذين لم يتردد في الذهاب إليهم حتّى في المراقص، يذكّرهم الله واليوم الآخر، فيعود معه البعض إلى رحاب الدّين، وآخرون (يطنّشون) ولو إلى حين، ثم يعود بعضهم بعد التذكير أكثر من مرة عندما يدركون أي خواء يظلل علب الليل، وأي عاقبة تعود على أصحابها إن أطالوا التردد عليها. وقبل قرابة عقدين اغتالت مخابرات ذلك البلد الشيخ مبروك، لأنه تجرّأ ذات يوم، فحاول دعوة بعض أفرادها إلى دين الله، لا أكثر! قتلوه لأنه كبّدهم خسائر فادحة عبر أعداد الذين اهتدوا على يده، وهم لا يريدون لشبابهم إلاّ غوايةً وضلالاً. رحم الله الشيخ (مبروك)، وشكرًا لأخي الدكتور على إهدائه القيّم، وفكره النيّر. [email protected]