بدعوة كريمة من جمعية الثقافة والفنون بجدة، ومن مستشارها سعادة الدكتور محمد السريحي، أمضينا؛ عضوات الصالون الثقافي بأدبي جدة، أكثر من ساعتين بين معرض الفنان المبدع منصور المطيري، وحديث ونغم المؤرخ الموسيقي والباحث في تاريخ الموسيقى عصام جنيد. المعرض كان مصاحباً لملتقى الموسيقى الأول الذي نظمته جمعية الثقافة والفنون، برؤية وجهود رئيس الجمعية الأستاذ محمد آل صبيح، هذا الرجل الذي لا يغيب عن فعاليات الجمعية، تجده حاضراً وسط الحضور مرحباً ومتفاعلاً بود وشغف المثقف الفنان الداعم والمشجع للجميع دون علو أو طغيان. الفنان منصور المطيري، أبدع ليس فقط في فنه بل في شرحه وتبسيطه لتلك المجسمات المشكَّلة من الحديد، وكيفية انتقاله من كونه فناناً تشكيلياً سريالياً، إلى مرحلة اهتمامه بتطويع الحديد، ليمزج فيه بين الواقعية والسريالية، ويبدع هذه الأشكال المنسجمة مع ملتقى الموسيقى، حيث شكل من الحديد آلات موسيقية مع أصابع العازف، أو أقدامه، أو الشماغ والعقال بدون الرأس، بالإضافة إلى بورتريهات أساطين الموسيقى السعودية، شعراً ولحناً. السريالية: «تعني تحدياً للمنطق من خلال إلهام الأحلام وطرق عمل العقل الباطن، حركة السريالية بدأت بالظهور في القرن العشرين باعتبارها حركة فلسفية ثقافية، حيث عمل العديد من الفنانين والشعراء والكتاب وصانعي الأفلام على البحث عن طرق لتحرير النفس والاستفادة من إبداعاتها الخفية» أعجبني فكر الفنان منصور ووضوح رؤيته وفلسفته خلال شرحه، لكل قطعة نشاهدها، استطعنا قراءتها بوضوح وإعجاب، مثلاً وضع صورة الفنان طارق عبد الحكيم وكأنه يطل من نافذة، لأن عبد الحكيم فتح نافذة الغناء السعودي، لكل قطعة، وفي كل قطعة وكل لمسة وهمسة فلسفة تبهرك، بث في الحديد الخام الروح وخلق في أوصاله شرايين الحياة، فالمعرض بحق يمثل «همس الحديد»، هذا الخام الصدئ، كيف أصبح مبهراً، بأنامل ورؤية الفنان منصور!. ونحن نشاهد ذلك الفن البديع ومجسمات الآلات الموسيقية اقترحت العزيزة الدكتورة إيمان أشقر على الفنان منصور عرض تلك الأعمال على وزارة الثقافة لوضعها في مبنى الأوبرا الذي سيقام في مدينة جدة، تحمسنا جميعاً للفكرة وطلبنا منه عدم عرضها للبيع إلا بشكل متكامل لوزارة الثقافة التي تقدر مثل هذه الأعمال البديعة. لكن أعتقد أن الفنان ينتظر المبادرة من المؤسسات الرسمية لتقدير فنه، وأتمنى حدوث ذلك لأنها بحق تستحق أن تكون واجهة مدخل بناء الأوبرا وبيد فنان سعودي. كانت جولتنا في المعرض على نغمات الموسيقى وعزف العود للفنان عصام جنيد، كنا بين الدهشة بالمعروضات الفنية ومعرفة التفاصيل من مبدعها، والرغبة في الإنصات الكامل للموسيقى، وهذا تحقق لنا بفضل التنظيم الذي انتهجته جمعية الثقافة والفنون، حيث أنصتنا إلى حديث علمي رصين حول تاريخ الموسيقى، بعد انتهاء جولتنا بين معروضات «همس الحديد». ذكر الأستاذ عصام جنيد أن أصل الغناء أرض الحجاز، والمقامات التي انتشرت منبعها الأصيل الحجاز، وعرفت بالمقامات الحجازية. عند شرحه لكل مقام يعطي النغم بالعزف على العود وأحياناً بمصاحبة الإيقاع، كانت محاضرة شيقة، لأنها وضّحت لنا الكثير مما اختلط علينا حول أصل الغناء، بعد انتشار مقولة: «الغناء يمنى أو عدني»، لكن الحقيقة التي عكف عليها الباحث جنيد تؤكد أن الغناء أصله من الحجاز، وهو بصدد إصدار ثلاثة كتب ربما تشبه الموسوعات حول تأصيل الغناء السعودي، والمقامات الحجازية، ربما هذا الجهد يحتاج إلى تدخل هيئة الموسيقى، لتسريع إصدار هذه الكتب التي حرّضنا الفضول للاطلاع عليها، لذلك أتمنى أن تكون وزارة الثقافة والهيئات الفنية المنبثقة عنها على اطلاع ودراية بالحركة الفنية والثقافية النشطة في المؤسسات الثقافية التي لازالت فعالة حاضرة ومتجددة، تفتح أبوابها للفنانين والمثقفين وتتبنى إبداعاتهم.