بعد مرور أكثر من عام على تفشي جائحة «كوفيد - 19» وركود الاقتصاد العالمي بشكل واضح، بات من الضرورة الحتمية للدول التوجه إلى التحول الرقمي للعبور نحو النمو التدريجي للاقتصاد العالمي بعد الآثار السلبية التي سببتها الجائحة في مختلف المجالات، فالتكنولوجيا ستعيد تشكيل مستقبل العمل والاقتصاد بعدما كانت تعتمد بشكل كامل على الثروات الطبيعية التقليدية التي سادت طيلة العقود الماضية، كما سعت العديد من الدول إلى الاستثمار الكبير في التكنولوجيا والبنية الرقمية لتلبية احتياجات شعوبها وفق شروط الحظر ولضمان استمرارية الحيوية في مختلف قطاعات الدول، لا سيما أن جائحة «كوفيد-19» عززت العمل عن بعد والتسوق الإلكتروني والتحويل المالي. ومما لا شك فيه أن التكنولوجيا ستصبح خلال هذه الأزمة وحتى بعدها أساس حياتنا الاجتماعية والاقتصادية فهي التي ستحدد تطور المجتمعات وستكون مقياس لنجاح الحكومات وتحقيق رفاهية الاقتصاد بالاستثمار في الموارد والخبرات التكنولوجية. وأولت حكومة المملكة اهتمامًا كبيرًا في مجالات التحول الرقمي خصوصًا في قطاع الحكومة الذكية والتعاملات الإلكترونية الحكومية وقطاع الإسكان وقطاع الصحة وقطاع التعليم والقطاع العدلي وقطاع السياحة والبنية الرقمية وقطاع الاتصالات والتي ساهمت في خلق بنية تحتية رقمية تواكب متطلبات وطموحات رؤية 2030. ومن أهم وأبرز القرارات التي وافق عليها مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين في الأسبوع الماضي هو إصدار ترخيصين لبنكين رقميين في المملكة: الأول لشركة «stc pay» لتصبح بنكا رقميا -تحت التأسيس- برأسمال 2.5 مليار ريال ويحتل المركز 12 بحصة 1.25 في المئة من رؤوس أموال البنوك الوطنية العاملة في المملكة، والثاني البنك السعودي الرقمي -تحت التأسيس- الذي يبلغ رأس ماله 1.5 مليار ريال ليحتل المركز 13 من بين البنوك بحصة 0.75 في المائة، والذي أسسه تحالف عدة مستثمرين وشركات بقيادة شركة عبدالرحمن الراشد وأولاده متمنيًا أن يفتح المجال لأن تكون شركة مساهمة عامة وليست مقصورة على مستثمرين معينين، مما سيزيد من رؤوس أموال البنوك السعودية بعد الترخيص للبنكين الرقميين الجديدين لتصبح 202.1 مليار ريال بعد أن كانت 198.1 مليار ريال. مما سيعزز في تطوير منظومة القطاع المالي والتقني وإرساء بنية تحتية رقمية ذات كفاءة عالية تساعد في دعم وتنمية الاقتصاد الوطني، وتحفيز الاستثمار من خلال فتح المجال للشركات الجديدة لتقديم الخدمات المالية والوصول إلى مستوى الدول المتقدمة بما فيه من توفير للوقت والجهد والتكاليف، حيث إن البنوك الرقمية تركز على قطاع الأفراد والمنشآت الصغيرة والمتوسطة وتخلق بيئة تنافسية في القطاع المصرفي وزيادة النمو والحفاظ على استقرار الاقتصاد السعودي. ومن الجدير بالذكر أن جميع إجراءات الرقابة والإشراف ستطبق على البنوك الرقمية كما هي مطبقة على جميع البنوك العاملة في المملكة والتأكيد على الأمن السيبراني والجوانب التقنية لتلافي المخاطر التشغيلية ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. ومما لا شك فيه أن البنوك الرقمية العالمية أحدثت طفرة في مجال خدمة العملاء حول العالم لا سيما في توفير الوقت والجهد على الأفراد والعاملين أيضًا في خدمة العملاء في البنوك، وكذلك توفير وتنوع العديد من الخدمات البنكية في بيئة موحدة وآمنة وموثوقة وخفض تكلفة المعاملات البنكية والمالية، وسهولة نقل الأموال بين الحسابات المصرفية. وأتوقع بأن تحول بعض البنوك التجارية جزءًا من أعمالها إلى رقمية، وهذا سيشجع إلى التحول الأكبر ويفتح باب المنافسة بين البنوك في تقديم كل ما هو جديد في هذا المجال. وإذا جاز لي الاقتراح، فإنني اقترح أهمية نشر ثقافة التعامل مع البنوك الرقمية، وأن تدرج الجامعات تخصص البنكية الرقمية لتخصصات التمويل في كليات التجارة والاقتصاد والأعمال، وأجزم بأن المجتمع مهيأ لقبول التعاملات في البنوك الرقمية في ظل الظروف الحالية والمستقبلية.